Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

دراسات في السيرة : النسب الشريف- شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي

شيخ الشهداء معشوق الخزنوي خطبة جمعة جامع صلاح الدين 1993- قامشلو   قال الله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [ 1 ] ايها السادة : كلما كان الداعية الى الله ، أو المصلح الاجتماعي في شرف من قومه كان ذلك أدعى الى الاستماع إليه والالتفاف حوله ، فإن من عادة الناس أن يزدروا بالمصلحين والدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة ، أو نسب وضيع ، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه ، ولا مكانة اسرته الاجتماعية بينهم لم يجدوا ما يقولون عنه ، ويعيرونه به ، اللهم إلا الافتراءات يتذرعون بها ويتهربون بسببها من الاستماع الى دعوته والإصغاء الى كلامه ، ولذلك حين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى هرقل كتاباً يدعوه فيها الى الاسلام مع قومه وإتباعه سأل أبا سفيان : كيف نسبه فيكم ؟ ، فأجاب أبو سفيان وهو يومئذ على شركه : هو من أشرفنا نسباً ، فقال هرقل وكذلك لا يختار الله النبي إلا من كرام قومه وأوسطهم نسباً [2]. صحيح أيها الإخوة أن الإسلام لا يقيم وزناً لشرف الانسان تجاه الاعمال والتقوى ، ولكنه صحيح أيضاً أن الشرف إذا قارنه العمل والتقوى لم يبلغه شيء في المكانة ، صحيح أن عراقة الأصل لا تمنح الرجل الفاشل فضلاً كالصلب إذا ترك للصدأ يمسي غير ذا قيمة ، ولكن صحيح أيضاً أن الصلب إذا تعهدته يد الصناع الماهرين فإنها تبدع ، وهؤلاء لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم { قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ ؟ قَالَ : أَتْقَاهُمْ ، فَقَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ ، قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا ” [3]، ومن هذا المنطلق فقد شاءت إرادة الله أن ينتقل الرسول الكريم من خير الاباء الى خير الابناء حتى انتهى الى كبير مكة وسيدها شيبة الحمد الذي نعرفه باسم عبدالمطلب ، لقد اختار الله لنبيه نسبا زكياً إبراهيم الخليل دعامه، واسماعيل سنامه، وكنانة زمامه، وقريش نظامه، وهاشم تمامه ، والى هذا أشار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِى كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ بَنِى كِنَانَةَ قُرَيْشاً وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ } [4] . والحديث عن آباء النبي صلى الله عليه وسلم حديث شيق وطويل ، وحلو حلاوة النبي لأننا نبحث عنهم لأجل النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أن وقتنا هذا لا يسع ذلك غير أن الذي لا يسعنا تجاهله أن أهل السير والأخبار اتفقت على ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ، فنسبوه بأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر – وهو قريش الذي تنسب له القبيلة_ بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . وأما ما بعد عدنان إلى إبراهيم عليه السلام فقد اختلف أهل السير في صحته، فمنهم من قال به، ومنهم من توقف فيه، قال ابن القيم رحمه الله: “إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام” . وقد روى عن العباس رضي الله عنه ، قال قلت يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ كمثل نَخْلَةٍ في كَبْوَةٍ من الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي من خَيْرِهِمْ من خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي من خَيْرِ قَبِيلَةٍ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْبُيُوتَ فَجَعَلَنِي من خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا ” [5] . فمعدن النبي صلى الله عليه وسلم طيب ونفيس، فهو من نسل إسماعيل الذبيح ، و إبراهيم خليل الله، وهو بشارة أخيه عيسى عليه السلام، ودعوة أبينا إبراهيم عليه السلام، يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: (إنِّي عند اللهِ في أمِّ الكتابِ لَخاتم النَّبيِّين، وإن آدمَ لمُنجدلٌ في طينتِه، وسوف أنبِّئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبِشارة عيسى قومَه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نورٌ أضاءت له قُصور الشام) [6] . وهذا النور هو الذي دفع كعب بن زهير في قصيدته بانت سعاد التي القاها في حضرت النبي صلى الله عليه وسلم ليقول

إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ    وصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ [ 7 ]

فألقى الرسول صلى الله عليه وسلم حينئذ بردته عليه هدية وعطية استحساناً لقوله ،وقد اشتُهِرت هذه القصيدة “بانت سعاد” باسم “البُرْدة”  لان رسول الله  صلَّى الله عليه وسلَّم كسَا كعبًا بردتَه التي ظلَّت عند كعب حتَّى اشتراها منه أبو سفيان بن حرب بعد ذلك بعشرين ألفًا.   وهذا النور قد حير المشركين حيث كان يمنحه هيبة الى جانب الجمال ، هيبة لا يستطيع بشر أن يقاومها ، فقد روى أبو مسعود، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: «هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد» [8]. فقد كانوا يرمقون النبي بأبصارهم فترتعد عنه ايديهم ذعراً ، وكم تواعدوا للفتك به بكل حيلة ومكيدة ولكنهم فشلوا فمنهم من آمن ومنهم من هرب وفر ومنهم من صعق ووقع مغشياً عليه ، ومنهم من ضرب الله على عينه فمن ذلك أن قريشاَ اجتمعت على قتله ليلة الهجرة فخرج عليهم من بيته وحث التراب على رؤوسهم وخلص منهم وهم له منتظرين صم بكم عمي فهم لا يبصرون [9]. وفي مرة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من غطفان تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسكر النبي في مكان اصابهم مطر كثير فاختلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف والقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها ، فقال القوم من غطفان لسيدهم دعثور بن الحارث : قَدْ أَمْكَنَكَ مُحَمَّدٌ ، وَقَدِ انْفَرَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَيْثُ إِنْ غَوَّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ يُغَثْ حَتَّى تَقْتُلَهُ ، فَاخْتَارَ سَيْفًا مِنْ سُيوفِهِمْ صَارِمًا ثُمَّ أَقْبَلَ مُشْتَمِلا عَلَى السَّيْفِ ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ مَشْهُورًا , فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ ؟ قَالَ : ” اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ” ، وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ , فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ , فَقَالَ : ” مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ ” قَالَ : لا أَحَدَ ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَلا أُكَثِّرُ عَلَيْكَ جَمْعًا أَبَدًا ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ، ثُمَّ أَدْبَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ , ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ ” ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا : أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَقَدْ أَمْكَنَكَ وَالسَّيْفُ فِي يَدِكَ ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ وَاللَّهِ ذَلِكَ رَأْيِي ، وَلَكِنْ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي ، فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَاللَّهِ لا أُكَثِّرُ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى الإِسْلامِ ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ } [10] [11]   . ومرة تعهد ابو الاشد كلدة بن أسد لقريش بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وكان من القوة بمكان فأعظموا له الخطر إن هو كفاهم فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق يريد المسجد ما بين دار عقيل وعقال فجاء كلدة ومعه المزراق فرجع المزراق في صدره فرجع فزعا فقالت له قريش ما لك يا ابا الأشد فقال ويحكم ما ترون الفحل خلفي قالوا ما نرى شيئا قال ويحكم فإني أراه فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف فاستهزأت به ثقيف فقال أنا أعذركم لو رأيتم ما رأيت لهلكتم. إنه نور النبوة التي أضاءت الظلمات اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل لي في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً.   الهوامش : [1] آل عمران 164 [2] رواه البخاري [3] رواه البخاري [4] رواه الترمذي [5] رواه الترمذي بسند صحيح [6] اخرجه أحمدُ من حديث العِرباض بن سارية السُّلمي -رضي الله عنه، برقم (16700)، [7]  البيهقي في السنن الكبرى ، والحاكم في المستدرك [8]  رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي وصححه الألباني في “الصحيحة” (1876) ، وصحيح الجامع الصغير” (7052) وغيرهما . [9] رواها ابن هشام بسنده ، وذكرها ابن كثير في سيرته ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح. [10] المائدة آية 11 [ 11] دلائل النبوية للبيهقي  

About Author