Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

الواقع الكوردي خرق اتسع على الراقع

الشيخ مرشد معشوق الخزنوي                                               

يدرك كل حاذق عالم عارف بحقيقة القضية الكوردية ، يدرك جيداً أنَّ حقيقة الخطر على الشعب الكوردي عامة وفي غربي كوردستان خاصة شاملة ممتدة، تُنْذر بالمزيد من الأخطار والأهوال مع كلِّ ساعة وكل يوم وكل شهر!

ولا تقتصر الأخطار على سقوط الحلم الكوردي الكبير في ظل احتلال قاسٍ قوي، كما لا يقتصر ايضا على حلم العيش بعزة وكرامة في ظل الاحتلال .

إن ما أصاب الكورد في السنوات الأخيرة من مآسٍ مذهلة وفواجع وهوان وإذلال ،  وما الكورد إلا حملة رسالة إلاهية ، رسالة العيش بحرية وبكرامة ، ما اصاب الكورد اتصور أنهم انفسهم من يتحملون المسؤولية بالدرجة الأولى .

فألا يستحقّ هذا الحلم الغالي العظيم، وهذه الفواجع والمآسي، وقفةً تأمل صادقة ، وقفة مصارحة تُطوى فيها المجاملاتُ وتُكشَف فيها الحقائقُ، وتُحدَّد فيها الأخطاءُ والعلل والأمراض، ويتعاون الجميع على معالجة الأمراض؟!

الخلل للأسف متشعب وممتد في واقع المجتمع الكوردي ، وهذا الخلل هو السبب الرئيس في هزائمنا ، في ظل مقولة المدافعين عن الخلل ، أن الأخطاء يسيرة، والخلافات سنة ربانية في الكون كله وليس مقصورا على الشعب الكوردي ، ثم يطوون ذلك بالمجاملات والمسكنات لتخفيف الآلام والأوجاع، والخلل باقٍ والأمراض باقية ، ولا يجدي التخدير في العلاج.

إِن الخطر المحدق بنا عظيم، والهجمة على الكورد واسعة ممتدة، وإن بقاء الخلل والعلل واستمراره كما هو اليوم يعرّضنا لأخطار أشد وهزائم أبعد وهوان أقسى.

إن من أولى واجباتنا في الوقفة التأملية تحديدَ أخطائنا في دراسات منهجيّة معمقة ، وحين تتم مثل هذه الدراسات سنجد أن الخلل واسع والأخطاء كبيرة ، ولا ينفع فيها أن يهاجم فريقٌ فريقاً آخر، وينقده ويتهمه. ثمّ ينبري الفريق الآخر ليكيل الصاع صاعين، فيمضي الزمن والخلافات تتسع والتمزّق يزداد.

ولا يمكن أن يتمّ التغيير في أنفسنا إلا إذا تولّدت القناعة الداخلية بضرورة التغيير، حين تنكشف الأخطاء، ونتبيّن هول الأخطار، ونستشعر صدق المسؤولية الملقاة على عاتقنا .

ومن لم يشعر بذلك، ولم يدرك أخطاءه، ولم يتبيّن حقيقة الخطر، ومن لم يستشعر صدق المسؤولية ، فلن يشعر بضرورة التغيير ، وسيبقى مدافعا عن الضجيج الحاصل اليوم ، هذا الضجيج الذي يشغلنا عن جوهر قضيتنا .

لابد أن نؤمن ونقتنع أولاً بأن ما أصابنا من هزائم وفواجع وهوان هو بما كسبت أيدينا ، من خلال التشخيصات الخاطئة التي أدت الى معالجة خاطئة ، وهذا الواقع لن يتغير إلا إذا غيّرنا ما بأنفسنا، فذلك أمر الله وحكمته:{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد: 11.

إنّ هذا التغيير يقتضي -مع القناعة بضرورته- وقفة محاسبة واصلاح مع النفس ، والنفس أول الميادين، فمن انتصر في هذا الميدان يمكنه أن يخوض ميداناً آخر ، وإذا غيّرنا ما بأنفسنا، وعالجنها من حظوظها ، فإن أول ما يتغيّر تبعاً لذلك نهجُ التفكير.

وذلك لأن الجهل بحقيقة قضيتنا ، وانقلاب القشور الى جوهر سحقت الملايين من الكورد ، والذي اصور أنه لم يبق لدى الكثيرين منهم من الكردايتية  إلا العاطفة الجارفة، دون أن يجدوا اليد الحانية التي تبني القلوب والعقول بالعمل الحقِّ والجاد ، والدراسة الواعية، والتدريب والرعاية، حتى أقامت كل حركة او مجموعة لها ولاءات يُنابذ بعضها بعضاً على صور شتَّى من التنابذ العلني أو السرّي، وتوالى التمزّقُ مع أحداث الواقع بولادة جماعة بعد جماعة، وانشقاق بعد انشقاق، وفتنة بعد فتنة، وألم بعد ألم ، ألم لم يستطع ضجيجُ الشعارات أن يُخْفيَه.

أنا كرجل مؤمن بالله جل جلاله اعلم أن كل ذلك كان بقدر الله وقضائه وعلمه، ولكنَّه كان أيضاً بما كسبت أيدينا، وبالخلل الذي امتدَّ واتسع فينا.

عدد اللكورد في غربي كردستان يقارب ثلاثة ملاين ، يُقيمون في أرض ممتدّة واسعة لها خطرُها السياسي والعسكري، ولها أهميتها الاقتصادية بما وفّر الله سبحانه وتعالى من رزق وخيرات في باطن الأرض وظاهرها، وما يُنْزل الله من السماء من ماء، وما فاض الله عليهم من رزقه من البترول ، وهم محرومون منها جميعا وهم في ظل تخلّفٍ وضعفٍ، وذلَّةٍ وهوانٍ، وفي أعاصير من الفتن اعظمها وجودهم تحت احتلال بعثي ظالم .

هؤلاء الملايين من يرعاهم؟! من يرفع الجهل بحقيقة القضية عن معظمهم؟! في ظل المتغيرات العالمية ضاع من بين ايديهم الهدف فمن يبلغهم رسالة الكوردايتية كما أرادها حدادنا كاوى ؟! من المسؤول عن ذلك، وبعُنُقِ مَنْ وضعت هذه الأمانة العظيمة لإشراب الناس جوهر القضية كما هي .

لو رجع كثير من الكورد إلى أنفسهم، وإلى ما شَغَلوا به أنفسهم وأوقاتهم، لوجدوا أنَّ بعضاً ممَّا عملوه كان خيراً لو لم يفعلوه؛ لأنه شغلهم عن حقيقة وجوهر القضية .

أصبح همّ بعضنا الأكبر أن يبيّن للعالم أننا متطورون، وذلك من خلال التشبث ببعض الشعارات البراقة ، وتبني بعض مظاهر الامم المتطورة ، دون أن نأخذ منهم ما نحن بحاجة إليه حقيقة وما يُمدُّنا بالقوّة ، وأصبح همّنا أن نثبت أننا عصريون حضاريّون تقدّميّون ، ولم نستطع أن نقدّم للعالمِ القضية كما هي في ميدان النظرية والتطبيق ، ولكننا قدّمنا خلافاتنا وصراعنا ومذاهب متصارعة وآراء متضاربة ، وكيف نظهر عظمة وعدالة قضيتنا  للعالم إذا كنَّا نحن لا نتمثّل حقيقة القضية ، ولم نلتقِ نحن عليه ، واذكر على سبيل المثال عندما دعى شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي سفيرة السويد في دمشق لزيارته في مكتبة بقامشلو وحضر ممثلوا الحركة الكوردية في مكتب الشيخ الشهيد وتناوبوا على الحديث للسفيرة وبعد الانتهاء توجهت السفيرة الى الشيخ الشهيد مستغربة لم كررتم حديثكم عشرة مرات ، مشيرة الى ان مطلب الجميع واحد فلما لم تقولوها مرة واحدة وانما كررتموها واظهرتم من خلال تكراركم خلافكم وتصارعكم .

ذلك لأننا فقدنا شخصيّتنا، فلا نحن هنا ولا نحن هناك، فاضطربت الخُطا وتشعّبت المسالك، وعلا ضجيج الشعارات لنُخْفيَ بهذا الضجيج عجزنا وهزائمنا.

فمن أين يأتي الوفاق والتمزّق قائم، والخطوات مضطربة، والشعارات ضجيج دون نهج ولا خطَّة؟!

إن الوقفة التأملية المتأنية واجب كل كوردي وكل حركة كوردية ، أن تراجع المسيرة في وقفة وطنية صادقة ، والمراجعة والتقويم يجب أن يكون دورياً على صورة منهجيّة تخضع لخطوات محدّدة.

وما أشد حاجتنا نحن الكورد الى هذه الوقفة وهذه الدراسة المستفيضة والتقيم الجاد لواقعنا ، ما اشد حاجتنا اليوم  إلى مراجعة شاملة ووقفة واعية نشخص فيها الماضي والحاضر والمستقبل على ضوئه ، فمن ظنّ أنه ليس بحاجة إلى هذه الوقفة فقد وقع في الخطأ الأول ، فالأخطاء كثيرة كما ذكرنا سابقاً ، وما يمنع هذه الوقفة إلا الغرور والكبر، والإعجاب بالذات .

وهذا خلل كبير في واقع الكورد عامة وفي غربي كوردستان خاصة  لا يمكن علاجه بالمسكنات والمجاملات ، ولا بدَّ من علاجه ، لأن بقاءه يعني بقاء الهزائم والفواجع والألم ، وبقاء الخطر علينا جميعاً.

ولا يمكن علاجُه بلقاءات إِداريّة تحمل ضعفنا وخللنا وأمراضنا ، كما يدعو اليها البعض دون التمهيد الحقيقي وارضية سليمة لهذا اللقاء .

لا يمكن أن يتم علاج إلا إذا تمّ تغيير حقيقي في أمرين أساسيين هما:

أولاً: تغيير ما بأنفسنا من حظوظها ومن اطماعها ، فحظوظ النفس يؤكد الجميع من سياسيين وغيرهم وحزبيين وغيرهم أنها السبب الرئيس فيما نحن عليه اليوم ، فلا بد من تغيير ما بأنفسنا أولاً .

ثانياً: تغيير طريقة تفكيرنا وعملنا إلى نهج وطني كوردي كإيمان كاوى للتفكير والعمل.

وإِذا تم هذا التغيير، فإن أموراً أخرى ستتغيّر بصورة تلقائية ، ستتغيَّر وسائلنا، وأساليبنا، ومناهجنا، وعلاقاتنا فيما بيننا ومع الآخرين. سيكون هناك تغيير واسع يوجهه القضية والكوردايتية ، بعد أن تكون الأهواء وحظوظ النفس قد أُلجمت!

24-8-2008

About Author