الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى، وقسَّم أحوال عباده غنًى وفقرا، وأنزل الماء وشقَّ أسباب الثَّرى، أحمده – سبحانه –
رُوي عن عبدالله بن عبَّاس – رضِي الله عنهما – أنَّه قال: “ما مِن يوم إلاَّ وينادي القبر على ابنِ آدمَ بِخمس كلِمات تقول له: يا ابنَ آدم، تَمشي اليوم على ظهْري وغدًا ستنام في بطْني، ابنَ آدم تفرح اليوم على ظهْري وغدًا ستحزن في بطني، ابن آدم تضْحك اليوم على ظهري وغدًا ستبكي في بطني، ابن آدم تعْصي الله على ظهري وغدًا ستعذَّب في بطني، ابن آدم تأْكل اليوم على ظهْري وغدًا سيأكُلُك الدود في بطْني”.
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُ الله ورسوله، وخاتم أنبيائه، فلا نبيَّ بعده، يقول في الحديث الصحيح: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له: الريَّان، ينادَى يوم القيامة: أين الصَّائِمون؟ فإذا دخل آخِرُهم، أُغْلِق ذلك الباب))، اللَّهُمَّ فصلِّ وسلِّم وباركْ على هذا النَّبيِّ الكريم، صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه ومَن سارَ على نَهْجِه إلى يوم الدِّين.
أوصيكم – عباد الله – بتقْوى الله، فمَن رغِب في سنَّة محمَّد وصل، ومن رغب عن سنَّته غوى وخسر وضلَّ وانفصل.
أيُّها الأحبَّة:عائلة مكوَّنة من زوج وزوجة، وابنٍ كبير وابنٍ صغير، اتَّصل بهم بعد طول فراق قريبٌ عزيزٌ لهم يبلغهم بقدومِه إليهم غدًا ضيفًا، وجلست العائلة تناقش الأمر، الابن الكبير تَمتم ببعض الكلِمات غير المفهومة ثمَّ قال: ما هذا الأمر؟ إنَّها عادة قديمة متخلِّفة وتقليدٌ بال، بيْنما غرق الابن الصَّغير في فرحه وقال: إنَّها فرصة جميلة، فبقدوم القريب ضيفًا عليْنا سيمْتلئ البيتُ بأنواع الأطعِمة والحلويات، وراحت الزَّوجة تعبِّر عن حالة الغضب تقول: لست خدَّامة أريد أن أرتاح، بيْنما ذهب الزَّوج يهدِّئ من روعِهِم ويذكِّرهم بأنَّها من جَميل قدر الله أن وفَّقهم لصِلَة الرَّحم.
نموذج لعائلة قدِم إليْهم ضيف، وهذا حالنا – نحن المسلمين – فها هو ضيف كريم قد نزل عليْنا، إنَّه ضيف عزيز مبارك قد هلَّ عليْنا بأنفاسِه الخاشعة الزَّكيَّة، ورحماته المباركة النديَّة، إنَّه شهر القرآن، إنَّه شهر القيام والصّيام، إنَّه شهر الجود والبرِّ والإحْسان والعتق من النيران، إنَّه شهر رمضان، في الصَّحيحين من حديث أبِي هُريْرة: قال رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنَّة))، وفي لفظ لمسلم: ((فُتِحت أبواب الجنَّة، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشَّرِّ أقصر، ولله عُتقاء من النار، وذلك في كلِّ ليلة حتَّى ينقضي رمضان))، فهيَّا بنا في هذا اللِّقاء الرَّابع والعشرين لنا في هذا المسجد المبارك، نستقرئُ حالَنا مع ضيفِنا، فصلُّوا على الحبيب النبيِّ.
أيُّها السَّادة:
مع استِقْبالنا لهذا الشَّهر الفضيل، أريد أن ألْفت أنظارَكم إلى علاقتنا برمضان وصُحْبتنا له، فالنَّاس في شهر رمضان ينقسِمون إلى أقسام متنوِّعة، وإلى مذاهبَ شتَّى، وإلى طرائق قدد، فمِن النَّاس مَن لا يرى في هذا الشَّهر العظيم أكثر من حِرمان لا مبرِّر له، وأكثر من تقليد ديني لا فائدةَ منه، ولا يتمشَّى مع تطوُّرات العصْر، ولا مع معْطيات الحضارة، وهذا القِسْم من النَّاس عازم على الإفطار، مستهزئٌ بالصَّائمين، ساخرٌ بعقولهم، والعياذ بالله.
وقسم آخَر من النَّاس، لا يرى في هذا الشَّهر إلاَّ جوعًا لا تتحمَّله المعدة، وعطشًا لا تقوى عليه مجاري العروق، وهذا القسم الآخَر مفطر أيضًا، وربَّما مجاهر بإفطاره أمام مَن يعرفه ومَن لا يعرفه.
وقسمٌ ثالث، يرى هذا الشَّهر العظيم موسمًا للموائِد الزَّاخِرة والأطعِمة الفاخِرة، وفرصة جميلة للسَّهر واللَّهو واللَّعب إلى بزوغ الفجر، ثمَّ النوم العميق إلى غروب الشمس، اللهو واللعب والسمر والسهر إلى بزوغ الفجر، ثم النوم العميق إلى غروب الشَّمس، فإن كان ذا عملٍ برِم بعمله، وإن كان ذا معاملةٍ ساءت معاملته وساء خُلقُه.
أمَّا القسم الرابع، فهو الذي يرى في هذا الشهر العظيم شيئًا غير هذا كلِّه، وأجلَّ من هذا كلِّه، يرى هذا الشَّهر العظيم دورة تدريبيَّة لتجْديد معانٍ في النُّفوس، من الإيثار الرَّفيع، ومن الخلق النبيل، ومن الصَّبر الجميل، ومن الطَّاعة لله، ومن الإكثار من الخيرات والمبرَّات، وهؤلاء هم القلَّة القليلة في المجتمع، وقليلٌ ما هم؛ {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
أمَّا القِسم الأوَّل الذي لا يرى في شهْر رمضان أكثر من حرمانٍ لا مبرِّر له، وأكثر من تقليد ديني لا فائدة منه، ولا يتمشَّى مع تطوُّر العصر، ولا مع معطيات الحضارة – فإنَّنا نُحيل هؤلاء إلى أطبَّاء الأجسام والنّفوس ليحدِّثوهم عمَّا اكتشفه العلم الحديث من فوائدَ للصِّيام لا توجد في شيءٍ آخَر؛ لأنَّ الأصل في الأمراض هي المعِدة، مع أنَّ أوامر الله لا تقاس بِميزان الأطبَّاء واشتِهاءات النَّفس؛ بل بِمقياس: سمِعْنا وأطعْنا.
وأمَّا الَّذين انْهزمت إرادتُهم أمام جوع رمضان وأمام جوع الصيام وشدَّته، فلم يرَوا شهْر رمضان إلاَّ جوعًا لا تتحمَّله المعِدة، وعطشًا لا تقوى عليه مجاري العُروق، فإنَّني أذكِّر هؤلاء أنَّنا في قلْب المعركة، معركة الوجود أو اللاوجود، وليْس الصيام إلاَّ صبر ساعات على أقلِّ مظاهِر الحِرْمان في هذه الحياة، ألا وهو الطَّعام والشَّراب، فمنِ انْهَزم أمام نفسِه، فسوف ينهزم أمام عدوِّه، نحن نعيش في قلب المعركة، وتداعت عليْنا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتِهم، أصبح مصيرنا بِيَد غيرنا لا بأيدينا، أصبحنا كرةً تلْعب بها أقدام اللاَّعبين، وليس الصيام إلاَّ صبر ساعات، فمنِ انْهَزم أمام الجوع، أمام الصبر على الجوع، على الطَّعام والشراب، فسينهزم أمام الأعداء بلا شكٍّ وبلا ريبٍ؛ ولذلك فإنَّ المفْطِرين هم السَّاقطون في امتِحان الرجولة، وهم أسباب الهزيمة في المعركة الحقيقيَّة مع الأعداء.
إنَّ أصحاب رسولِ الله جعلوا مِن شهْر رمضان وجعلوا من الصِّيام ومن الجوع قوَّةً لَهم على أعدائِهم، بعد اعتِمادهم الكلِّي على الله – جلَّ وعلا – به ينتصِرون، وبه ينتقِلون من انتِصار إلى انتِصار، وما كانت الفتوحات والغزوات الفاصِلة إلاَّ في شهر رمضان، غزْوة بدْر كانت في رمضان، فتح مكَّة كان في رمضان، القادسيَّة كانت في رمضان، وغيرها وغيرها.
أمَّا القِسْم الثَّالث، الَّذين يَجدون في شهر رمضان موسمًا للأطعمة، يصومون ولكنَّهم يجدون شهر رمضان موسمًا للأطعِمة الفاخرة والموائد الزاخِرة، وفرصة جميلة للسَّهر والسَّمر واللَّعب إلى بزوغ الفجْر، يقضونَها في الغِيبة والنَّميمة والبُهتان والمحرَّمات، ثمَّ النَّوم العميق إلى غروب الشمس، فأقول لهؤلاء: ربَّ صائم ليس له من صيامِه إلاَّ الجوع والعطَش، وربَّ قائِم ليس له من قيامه إلاَّ السَّهر والتَّعب، ورسولُنا الحبيب – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((مَن لَم يدَعْ قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه)).
ليالي رمضان تقضى في الفراغِ واللعب والسَّهر، ورسول الله يُنادي عليكم بقوله: ((اغتنِم خمسًا قبل خَمس: شبابك قبل هرمكَ، وصحَّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرِك، وفراغك قبل شغْلك، وحياتك قبل موتك)).
وأمَّا القسم الرَّابع، الذين يجدون رمضان موسم الطَّاعة لله، فهؤلاء نرجو جميعًا أن نكون منهم ومِن عدادهم، وأن يحشُرنا الله في زمرتِهم تحتَ لواء سيِّد الأنبِياء والمرسلين، فكيف نكون منهم وكيف نستقبل هذا الضَّيف العزيز، شهْر الخير والبركة، شهر رمضان؟
أوَّلاً: تُب إلى الله – أيُّها الحبيب – من جَميع المعاصي والذّنوب.
أيّها المسلم:
إنَّ أهل الباطل يخطِّطون لكم من الآن ليشغلوا أوقاتَكم بالمسلْسلات الفاجِرة، والأفلام الدَّاعرة، والفوازير الخليعة الماجنة، فاحذر أيّها الحبيب، وهيَّا من هذه اللَّحظة تبْ إلى الله وأنت جالِس في موضعِك، ارْفع أكفَّ الضَّراعة إلى الله بقلبٍ خاشع منيب أوَّاب: أن يغفر الله – جلَّ وعلا – ما مضى لك من الذُّنوب والآثام، واعلم بأنَّ الله – عزَّ وجلَّ – سيفْرح الآن بتوبتِك، سيفرح الآن بعودتِك وهو الغنيُّ عن العالمين، الذي لا تنفعه الطَّاعة ولا تضرُّه المعصية.
رُوي عن عبدالله بن عبَّاس – رضِي الله عنهما – أنَّه قال: “ما مِن يوم إلاَّ وينادي القبر على ابنِ آدمَ بِخمس كلِمات تقول له: يا ابنَ آدم، تَمشي اليوم على ظهْري وغدًا ستنام في بطْني، ابنَ آدم تفرح اليوم على ظهْري وغدًا ستحزن في بطني، ابن آدم تضْحك اليوم على ظهري وغدًا ستبكي في بطني، ابن آدم تعْصي الله على ظهري وغدًا ستعذَّب في بطني، ابن آدم تأْكل اليوم على ظهْري وغدًا سيأكُلُك الدود في بطْني”.
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُ الله ورسوله، وخاتم أنبيائه، فلا نبيَّ بعده، يقول في الحديث الصحيح: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له: الريَّان، ينادَى يوم القيامة: أين الصَّائِمون؟ فإذا دخل آخِرُهم، أُغْلِق ذلك الباب))، اللَّهُمَّ فصلِّ وسلِّم وباركْ على هذا النَّبيِّ الكريم، صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه ومَن سارَ على نَهْجِه إلى يوم الدِّين.
أوصيكم – عباد الله – بتقْوى الله، فمَن رغِب في سنَّة محمَّد وصل، ومن رغب عن سنَّته غوى وخسر وضلَّ وانفصل.
أيُّها الأحبَّة:عائلة مكوَّنة من زوج وزوجة، وابنٍ كبير وابنٍ صغير، اتَّصل بهم بعد طول فراق قريبٌ عزيزٌ لهم يبلغهم بقدومِه إليهم غدًا ضيفًا، وجلست العائلة تناقش الأمر، الابن الكبير تَمتم ببعض الكلِمات غير المفهومة ثمَّ قال: ما هذا الأمر؟ إنَّها عادة قديمة متخلِّفة وتقليدٌ بال، بيْنما غرق الابن الصَّغير في فرحه وقال: إنَّها فرصة جميلة، فبقدوم القريب ضيفًا عليْنا سيمْتلئ البيتُ بأنواع الأطعِمة والحلويات، وراحت الزَّوجة تعبِّر عن حالة الغضب تقول: لست خدَّامة أريد أن أرتاح، بيْنما ذهب الزَّوج يهدِّئ من روعِهِم ويذكِّرهم بأنَّها من جَميل قدر الله أن وفَّقهم لصِلَة الرَّحم.
نموذج لعائلة قدِم إليْهم ضيف، وهذا حالنا – نحن المسلمين – فها هو ضيف كريم قد نزل عليْنا، إنَّه ضيف عزيز مبارك قد هلَّ عليْنا بأنفاسِه الخاشعة الزَّكيَّة، ورحماته المباركة النديَّة، إنَّه شهر القرآن، إنَّه شهر القيام والصّيام، إنَّه شهر الجود والبرِّ والإحْسان والعتق من النيران، إنَّه شهر رمضان، في الصَّحيحين من حديث أبِي هُريْرة: قال رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنَّة))، وفي لفظ لمسلم: ((فُتِحت أبواب الجنَّة، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشَّرِّ أقصر، ولله عُتقاء من النار، وذلك في كلِّ ليلة حتَّى ينقضي رمضان))، فهيَّا بنا في هذا اللِّقاء الرَّابع والعشرين لنا في هذا المسجد المبارك، نستقرئُ حالَنا مع ضيفِنا، فصلُّوا على الحبيب النبيِّ.
أيُّها السَّادة:
مع استِقْبالنا لهذا الشَّهر الفضيل، أريد أن ألْفت أنظارَكم إلى علاقتنا برمضان وصُحْبتنا له، فالنَّاس في شهر رمضان ينقسِمون إلى أقسام متنوِّعة، وإلى مذاهبَ شتَّى، وإلى طرائق قدد، فمِن النَّاس مَن لا يرى في هذا الشَّهر العظيم أكثر من حِرمان لا مبرِّر له، وأكثر من تقليد ديني لا فائدةَ منه، ولا يتمشَّى مع تطوُّرات العصْر، ولا مع معْطيات الحضارة، وهذا القِسْم من النَّاس عازم على الإفطار، مستهزئٌ بالصَّائمين، ساخرٌ بعقولهم، والعياذ بالله.
وقسم آخَر من النَّاس، لا يرى في هذا الشَّهر إلاَّ جوعًا لا تتحمَّله المعدة، وعطشًا لا تقوى عليه مجاري العروق، وهذا القسم الآخَر مفطر أيضًا، وربَّما مجاهر بإفطاره أمام مَن يعرفه ومَن لا يعرفه.
وقسمٌ ثالث، يرى هذا الشَّهر العظيم موسمًا للموائِد الزَّاخِرة والأطعِمة الفاخِرة، وفرصة جميلة للسَّهر واللَّهو واللَّعب إلى بزوغ الفجر، ثمَّ النوم العميق إلى غروب الشمس، اللهو واللعب والسمر والسهر إلى بزوغ الفجر، ثم النوم العميق إلى غروب الشَّمس، فإن كان ذا عملٍ برِم بعمله، وإن كان ذا معاملةٍ ساءت معاملته وساء خُلقُه.
أمَّا القسم الرابع، فهو الذي يرى في هذا الشهر العظيم شيئًا غير هذا كلِّه، وأجلَّ من هذا كلِّه، يرى هذا الشَّهر العظيم دورة تدريبيَّة لتجْديد معانٍ في النُّفوس، من الإيثار الرَّفيع، ومن الخلق النبيل، ومن الصَّبر الجميل، ومن الطَّاعة لله، ومن الإكثار من الخيرات والمبرَّات، وهؤلاء هم القلَّة القليلة في المجتمع، وقليلٌ ما هم؛ {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
أمَّا القِسم الأوَّل الذي لا يرى في شهْر رمضان أكثر من حرمانٍ لا مبرِّر له، وأكثر من تقليد ديني لا فائدة منه، ولا يتمشَّى مع تطوُّر العصر، ولا مع معطيات الحضارة – فإنَّنا نُحيل هؤلاء إلى أطبَّاء الأجسام والنّفوس ليحدِّثوهم عمَّا اكتشفه العلم الحديث من فوائدَ للصِّيام لا توجد في شيءٍ آخَر؛ لأنَّ الأصل في الأمراض هي المعِدة، مع أنَّ أوامر الله لا تقاس بِميزان الأطبَّاء واشتِهاءات النَّفس؛ بل بِمقياس: سمِعْنا وأطعْنا.
وأمَّا الَّذين انْهزمت إرادتُهم أمام جوع رمضان وأمام جوع الصيام وشدَّته، فلم يرَوا شهْر رمضان إلاَّ جوعًا لا تتحمَّله المعِدة، وعطشًا لا تقوى عليه مجاري العُروق، فإنَّني أذكِّر هؤلاء أنَّنا في قلْب المعركة، معركة الوجود أو اللاوجود، وليْس الصيام إلاَّ صبر ساعات على أقلِّ مظاهِر الحِرْمان في هذه الحياة، ألا وهو الطَّعام والشَّراب، فمنِ انْهَزم أمام نفسِه، فسوف ينهزم أمام عدوِّه، نحن نعيش في قلب المعركة، وتداعت عليْنا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتِهم، أصبح مصيرنا بِيَد غيرنا لا بأيدينا، أصبحنا كرةً تلْعب بها أقدام اللاَّعبين، وليس الصيام إلاَّ صبر ساعات، فمنِ انْهَزم أمام الجوع، أمام الصبر على الجوع، على الطَّعام والشراب، فسينهزم أمام الأعداء بلا شكٍّ وبلا ريبٍ؛ ولذلك فإنَّ المفْطِرين هم السَّاقطون في امتِحان الرجولة، وهم أسباب الهزيمة في المعركة الحقيقيَّة مع الأعداء.
إنَّ أصحاب رسولِ الله جعلوا مِن شهْر رمضان وجعلوا من الصِّيام ومن الجوع قوَّةً لَهم على أعدائِهم، بعد اعتِمادهم الكلِّي على الله – جلَّ وعلا – به ينتصِرون، وبه ينتقِلون من انتِصار إلى انتِصار، وما كانت الفتوحات والغزوات الفاصِلة إلاَّ في شهر رمضان، غزْوة بدْر كانت في رمضان، فتح مكَّة كان في رمضان، القادسيَّة كانت في رمضان، وغيرها وغيرها.
أمَّا القِسْم الثَّالث، الَّذين يَجدون في شهر رمضان موسمًا للأطعمة، يصومون ولكنَّهم يجدون شهر رمضان موسمًا للأطعِمة الفاخرة والموائد الزاخِرة، وفرصة جميلة للسَّهر والسَّمر واللَّعب إلى بزوغ الفجْر، يقضونَها في الغِيبة والنَّميمة والبُهتان والمحرَّمات، ثمَّ النَّوم العميق إلى غروب الشمس، فأقول لهؤلاء: ربَّ صائم ليس له من صيامِه إلاَّ الجوع والعطَش، وربَّ قائِم ليس له من قيامه إلاَّ السَّهر والتَّعب، ورسولُنا الحبيب – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((مَن لَم يدَعْ قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه)).
ليالي رمضان تقضى في الفراغِ واللعب والسَّهر، ورسول الله يُنادي عليكم بقوله: ((اغتنِم خمسًا قبل خَمس: شبابك قبل هرمكَ، وصحَّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرِك، وفراغك قبل شغْلك، وحياتك قبل موتك)).
وأمَّا القسم الرَّابع، الذين يجدون رمضان موسم الطَّاعة لله، فهؤلاء نرجو جميعًا أن نكون منهم ومِن عدادهم، وأن يحشُرنا الله في زمرتِهم تحتَ لواء سيِّد الأنبِياء والمرسلين، فكيف نكون منهم وكيف نستقبل هذا الضَّيف العزيز، شهْر الخير والبركة، شهر رمضان؟
أوَّلاً: تُب إلى الله – أيُّها الحبيب – من جَميع المعاصي والذّنوب.
أيّها المسلم:
إنَّ أهل الباطل يخطِّطون لكم من الآن ليشغلوا أوقاتَكم بالمسلْسلات الفاجِرة، والأفلام الدَّاعرة، والفوازير الخليعة الماجنة، فاحذر أيّها الحبيب، وهيَّا من هذه اللَّحظة تبْ إلى الله وأنت جالِس في موضعِك، ارْفع أكفَّ الضَّراعة إلى الله بقلبٍ خاشع منيب أوَّاب: أن يغفر الله – جلَّ وعلا – ما مضى لك من الذُّنوب والآثام، واعلم بأنَّ الله – عزَّ وجلَّ – سيفْرح الآن بتوبتِك، سيفرح الآن بعودتِك وهو الغنيُّ عن العالمين، الذي لا تنفعه الطَّاعة ولا تضرُّه المعصية.
فهو الذي أجرى على الطَّائعين أجرا، وأسدل على العاصين سترا، وهو – سبحانه – وحده الَّذي يعلم ما في اللَّيل وما تحت الثَّرى، ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل إذا سرى، سبَّحت له السَّموات وأملاكها، وسبَّحت له النُّجوم وأفلاكها، وسبَّحت له الأنهار وأسماكها، وسبحتْ له الأرض وسكَّانُها، وسبَّحتْ له البحار وحيتانُها، وإن من شيء إلاَّ يُسبِّح بِحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، وأشهد أن لا إلَه إلاَّ الله وحْده لا شريك له.
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ فَاتَ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَاذْكُرْ ذُنُوبَكَ وَابْكِهَا يَا مُذْنِبُ لَمْ يَنْسَهُ المَلَكَانِ حِينَ نَسِيتَهُ بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلْعَبُ وَالرُّوحُ مِنْكَ وَدِيعَةٌ أُودِعْتَهَا سَتَرُدُّهَا بِالرَّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ وَغُرُورُ دُنْيَاكَ الَّتِي تَسْعَى لَهَا دَارٌ حَقِيقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَبُ اللَّيْلُ فَاعْلَمْ وَالنَّهَارُ كِلاهُمَا أَنْفَاسُنَا فِيهِا تُعَدُّ وَتُحْسَبُ |
فيا صاحبَ الخطايا، أين الدموع الجارية؟!
يا أسيرَ المعاصي، ألا تبكي على الذُّنوب الماضية؟!
يا متجرِّئًا على الله، ألا تَخشى من هوْل القيامة، تُبْ إلى الرَّحيم الرَّحمن – جلَّ وعلا – فما من يومٍ يمرُّ عليْنا إلاَّ وينزل الملِك – جلَّ جلالُه – إلى السَّماء الدنيا، والحديث رواه البُخاري ومسلم من حديث أبِي هريرة: أنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ينزل الله)) تنزُّلا يليق بكمالِه وجلالِه، فكل ما دار ببالِك فالله بخلاف ذلِك؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، يتنزَّل الحقُّ – جلَّ وعلا – ((كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا، ثم يقول إذا مضى ثلث اللَّيل الأوَّل يقول – جلَّ وعلا -: أنا الملِك، مَن ذا الَّذي يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ مَن ذا الذي يسألُني فأعطيه؟ حتَّى تطلع الشمس)).
الله ينادي عليْك – أيها المسلم -:
من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ فهل سيجِدك الله وقد وضعت أنفَك في التراب ذلاًّ لخالقِك؟ أم سيراك الله أمام المسلْسلات؟ أم سيراك أمام الفوازير؟ أم سيراك أمام الأفلام؟
يا عبد الله، واللهِ إنَّ العمر قصير، وإنَّ الوقت قليل، وإنَّ أقربَ غائبٍ تَنتظِره هو الموت، وأنت قدَّر الله لك أن تعيشَ إلى رمضان ولا تضْمن أن تعيش إلى رمضان المقبل، فهيَّا أيها الحبيب تُب إلى الله؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((إنَّ الله يبسط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النَّهار، ويبسُط يدَه بالنَّهار ليتوب مسيءُ اللَّيل، حتَّى تطلع الشَّمس من مغرِبِها)).
الله – جلَّ في عُلاه – يُناديك: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمر: 53]، الله – جلَّ في علاه – يفرح بتوْبتِك؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول: ((لله أشدُّ فرحًا بتوْبة عبده المؤمن من رجُلٍ في أرض دوِّيَّة مهلكة، معه راحلتُه عليْها طعامُه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبتْ، فطلبها حتَّى أدركه العطَش، ثمَّ قال: أرجِع إلى مكاني الَّذي كنت فيه فأنام حتَّى أموت، فوضع رأسَه على ساعده ليموت، فاستيْقظ وعنده راحلتُه وعليها زادُه وطعامُه وشرابه، فالله أشدُّ فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلتِه وزاده)).
ابنَ آدم، ربُّنا يناديك؛ فعن أنس بن مالك – رضِي الله عنْه – قال: سمِعْتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((قال الله – عزَّ وجلَّ -: يا ابن آدم، إنَّك ما دعوتَني ورجوْتَني غفرت لك ما كان منكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدم، لو بلغتْ ذنوبك عنان السَّماء ثم استغفرْتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنَّك لو أتيتَني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتَني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابِها مغفِرة))؛ رواه الترْمذي.
ثانيًا: رمضان موسِم لرحمة الله، فلا تحْرِم نفسَك من رحمة الله الرَّحيم الرَّحمن، فالخاسِر هُو مَن مرَّ عليْه رمضان ولم يفُز برحمة الرَّحيم الرَّحمن، ففي الحديث الَّذي رواه الطَّبراني من حديث عبادة بن الصَّامت: أنَّه كان إذا أقبل شهر رمضان كان الحبيبُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((أتاكم رمضان شهر بركة، يغْشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحطّ الخطايا، ويستجيب فيه الدّعاء وينظر فيه إلى تنافُسِكم بالخير، ويُباهي بكم ملائكتَه، فأرُوا الله من أنفُسكم، فإنَّ الشَّقي من حُرِم في رمضان من رحمة الله)).
أيها الحبيبُ:
فكِّر في هذا الحديث جيّدًا من الآن، هل تتنزَّل عليْك رحْمة الله أمام المسلسل؟! هل تتنزَّل عليك الرَّحمة أمام الفيلم والمباراة والفوازير؟! لا وربِّ الكعبة، وإنَّما تتنزَّل عليْك الرَّحمة في بيئة الطَّاعات، في بيوت ربِّ الأرض والسَّماء، إن جلست في بيتك وجمعتَ زوجتَك وأولادك وجلست تقرأ القرآن الكريم، أو جلستَ في بيتك تستغفر الله الرَّحيم الرَّحمن، هذه هي البيئة التي تتنزَّل عليْك فيها الرَّحمات، فرمضانُ شهر الرَّحمات، فعرِّض نفسَك لرَحمات الله، ولن تنال رحمةَ الله إلاَّ إذا كنت على طاعةِ الله – عزَّ وجلَّ.
لذلك – أيّها الحبيب – لا بدَّ لك أن تستغلَّ هذا الشَّهر الفضيل لكي تكون من عُتَقاء الله فيها، حاول ألا تضيِّع الوقت، في رمضان تتزاحم الأمور؛ لذلك ابدأْ من الآن بكتابة أهدافِك في رمضان حتَّى تحقِّقها ولا تتزاحم عليك الأهداف، تناولْ ورقة وقلمًا وقُم بكتابة مخطَّطك في هذا الشَّهر الفضيل.
وحتَّى أساعِدَك في كتابتِه أقول: اكتُبْ من ضِمن أهدافك:
أوَّلاً: أنت والصَّلاة، ما حالك مع الصلاة؟ اكتب ضمن مخطَّطك في رمضان أن تُحافظ على السُّنَن المؤكَّدة كلّها في هذا الشَّهر الفضيل، أمَّا الفريضة فليكن هدفك أن تكون جماعةً في المسجِد وفي الصَّفِّ الأوَّل، اكتب هذا الهدف من أَوَّل أهدافِك في رمضان.
ثانيًا: أنت والقرآن، انظر إلى حالِك مع كتاب الله، كم ختمةً ستخْتمُها في هذا الشَّهر؟ يقول النَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فلَه به حسنة، والحسنة بعَشْرِ أمثالِها، لا أقول: “ألم” حرف، ولكن “ألف” حرف، و”لام” حرف، و”ميم” حرف))؛ رواه الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه.
ويقول الحبيب – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُقال لقارئ القرآن: اقرأْ وارقَ، فإنَّ منزلتَك عند آخر آيةٍ تقرَؤُها))؛ رواه أبو داود والتّرْمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ثالثًا: أنت والصَّدقة، أنفِق في سَبيل الله في هذا الشَّهر، لا تبخَل، ولا تَخشَ الفقر، ولا تَخشَ الفاقة، واعلم أنَّه ما من يوم يَمرُّ عليْك – والحديث في الصَّحيحين – إلاَّ وينزل ملكانِ إلى السَّماء، فيقول الأوَّل: اللَّهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقولُ الآخَر: اللَّهمَّ أعطِ مُمسكًا تلفًا، أيُّها المسلم، يا مَن منَّ الله عليْك بالأموال، لا تنسَ الفُقراء والمساكين والأيْتام.
أمورٌ كثيرة حاوِل أن تهذِّب بها مخطَّطك في هذا الشَّهر الفضيل، أنت والدَّعوة، أنت وصِلة الرَّحم، أنت والعِلْم، أنت والذِّكر، أنت والعمل، نرجو الله العليَّ القدير أن يوفِّقَنا لصيام شهْر رمضان، وأن يتقبَّله منَّا كما تقبَّله من حبيبِنا النَّبيِّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم.
أقول قوْلي هذا وأستغْفِر الله لي ولكم.
يا أسيرَ المعاصي، ألا تبكي على الذُّنوب الماضية؟!
يا متجرِّئًا على الله، ألا تَخشى من هوْل القيامة، تُبْ إلى الرَّحيم الرَّحمن – جلَّ وعلا – فما من يومٍ يمرُّ عليْنا إلاَّ وينزل الملِك – جلَّ جلالُه – إلى السَّماء الدنيا، والحديث رواه البُخاري ومسلم من حديث أبِي هريرة: أنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ينزل الله)) تنزُّلا يليق بكمالِه وجلالِه، فكل ما دار ببالِك فالله بخلاف ذلِك؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، يتنزَّل الحقُّ – جلَّ وعلا – ((كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا، ثم يقول إذا مضى ثلث اللَّيل الأوَّل يقول – جلَّ وعلا -: أنا الملِك، مَن ذا الَّذي يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ مَن ذا الذي يسألُني فأعطيه؟ حتَّى تطلع الشمس)).
الله ينادي عليْك – أيها المسلم -:
من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ فهل سيجِدك الله وقد وضعت أنفَك في التراب ذلاًّ لخالقِك؟ أم سيراك الله أمام المسلْسلات؟ أم سيراك أمام الفوازير؟ أم سيراك أمام الأفلام؟
يا عبد الله، واللهِ إنَّ العمر قصير، وإنَّ الوقت قليل، وإنَّ أقربَ غائبٍ تَنتظِره هو الموت، وأنت قدَّر الله لك أن تعيشَ إلى رمضان ولا تضْمن أن تعيش إلى رمضان المقبل، فهيَّا أيها الحبيب تُب إلى الله؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((إنَّ الله يبسط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النَّهار، ويبسُط يدَه بالنَّهار ليتوب مسيءُ اللَّيل، حتَّى تطلع الشَّمس من مغرِبِها)).
الله – جلَّ في عُلاه – يُناديك: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمر: 53]، الله – جلَّ في علاه – يفرح بتوْبتِك؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول: ((لله أشدُّ فرحًا بتوْبة عبده المؤمن من رجُلٍ في أرض دوِّيَّة مهلكة، معه راحلتُه عليْها طعامُه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبتْ، فطلبها حتَّى أدركه العطَش، ثمَّ قال: أرجِع إلى مكاني الَّذي كنت فيه فأنام حتَّى أموت، فوضع رأسَه على ساعده ليموت، فاستيْقظ وعنده راحلتُه وعليها زادُه وطعامُه وشرابه، فالله أشدُّ فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلتِه وزاده)).
ابنَ آدم، ربُّنا يناديك؛ فعن أنس بن مالك – رضِي الله عنْه – قال: سمِعْتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((قال الله – عزَّ وجلَّ -: يا ابن آدم، إنَّك ما دعوتَني ورجوْتَني غفرت لك ما كان منكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدم، لو بلغتْ ذنوبك عنان السَّماء ثم استغفرْتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنَّك لو أتيتَني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتَني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابِها مغفِرة))؛ رواه الترْمذي.
ثانيًا: رمضان موسِم لرحمة الله، فلا تحْرِم نفسَك من رحمة الله الرَّحيم الرَّحمن، فالخاسِر هُو مَن مرَّ عليْه رمضان ولم يفُز برحمة الرَّحيم الرَّحمن، ففي الحديث الَّذي رواه الطَّبراني من حديث عبادة بن الصَّامت: أنَّه كان إذا أقبل شهر رمضان كان الحبيبُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((أتاكم رمضان شهر بركة، يغْشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحطّ الخطايا، ويستجيب فيه الدّعاء وينظر فيه إلى تنافُسِكم بالخير، ويُباهي بكم ملائكتَه، فأرُوا الله من أنفُسكم، فإنَّ الشَّقي من حُرِم في رمضان من رحمة الله)).
أيها الحبيبُ:
فكِّر في هذا الحديث جيّدًا من الآن، هل تتنزَّل عليْك رحْمة الله أمام المسلسل؟! هل تتنزَّل عليك الرَّحمة أمام الفيلم والمباراة والفوازير؟! لا وربِّ الكعبة، وإنَّما تتنزَّل عليْك الرَّحمة في بيئة الطَّاعات، في بيوت ربِّ الأرض والسَّماء، إن جلست في بيتك وجمعتَ زوجتَك وأولادك وجلست تقرأ القرآن الكريم، أو جلستَ في بيتك تستغفر الله الرَّحيم الرَّحمن، هذه هي البيئة التي تتنزَّل عليْك فيها الرَّحمات، فرمضانُ شهر الرَّحمات، فعرِّض نفسَك لرَحمات الله، ولن تنال رحمةَ الله إلاَّ إذا كنت على طاعةِ الله – عزَّ وجلَّ.
لذلك – أيّها الحبيب – لا بدَّ لك أن تستغلَّ هذا الشَّهر الفضيل لكي تكون من عُتَقاء الله فيها، حاول ألا تضيِّع الوقت، في رمضان تتزاحم الأمور؛ لذلك ابدأْ من الآن بكتابة أهدافِك في رمضان حتَّى تحقِّقها ولا تتزاحم عليك الأهداف، تناولْ ورقة وقلمًا وقُم بكتابة مخطَّطك في هذا الشَّهر الفضيل.
وحتَّى أساعِدَك في كتابتِه أقول: اكتُبْ من ضِمن أهدافك:
أوَّلاً: أنت والصَّلاة، ما حالك مع الصلاة؟ اكتب ضمن مخطَّطك في رمضان أن تُحافظ على السُّنَن المؤكَّدة كلّها في هذا الشَّهر الفضيل، أمَّا الفريضة فليكن هدفك أن تكون جماعةً في المسجِد وفي الصَّفِّ الأوَّل، اكتب هذا الهدف من أَوَّل أهدافِك في رمضان.
ثانيًا: أنت والقرآن، انظر إلى حالِك مع كتاب الله، كم ختمةً ستخْتمُها في هذا الشَّهر؟ يقول النَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فلَه به حسنة، والحسنة بعَشْرِ أمثالِها، لا أقول: “ألم” حرف، ولكن “ألف” حرف، و”لام” حرف، و”ميم” حرف))؛ رواه الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه.
ويقول الحبيب – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُقال لقارئ القرآن: اقرأْ وارقَ، فإنَّ منزلتَك عند آخر آيةٍ تقرَؤُها))؛ رواه أبو داود والتّرْمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ثالثًا: أنت والصَّدقة، أنفِق في سَبيل الله في هذا الشَّهر، لا تبخَل، ولا تَخشَ الفقر، ولا تَخشَ الفاقة، واعلم أنَّه ما من يوم يَمرُّ عليْك – والحديث في الصَّحيحين – إلاَّ وينزل ملكانِ إلى السَّماء، فيقول الأوَّل: اللَّهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقولُ الآخَر: اللَّهمَّ أعطِ مُمسكًا تلفًا، أيُّها المسلم، يا مَن منَّ الله عليْك بالأموال، لا تنسَ الفُقراء والمساكين والأيْتام.
أمورٌ كثيرة حاوِل أن تهذِّب بها مخطَّطك في هذا الشَّهر الفضيل، أنت والدَّعوة، أنت وصِلة الرَّحم، أنت والعِلْم، أنت والذِّكر، أنت والعمل، نرجو الله العليَّ القدير أن يوفِّقَنا لصيام شهْر رمضان، وأن يتقبَّله منَّا كما تقبَّله من حبيبِنا النَّبيِّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم.
أقول قوْلي هذا وأستغْفِر الله لي ولكم.
المقالات المشابهة
وإنك لعلى خلق عظيم – خطبة للدكتور مرشد معشوق الخزنوي
البهتان – الحلقة 24 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي
الطمع – الحلقة 23- الشيخ مرشد معشوق الخزنوي