Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

شهر شعبان فضله وسبب تسميته

د. مرشد معشوق الخزنوي
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعدُ:


تسمية شعبان

شعبان: هو اسم للشهر، وسُمِّي بذلك لأنَّ العرب كانوا يتشعَّبون فيه بالأرض – أي: يَتَفَرَّقُون- لطلب المياه، وقيل: تشعبهم في الغارات، وقد قال ابن حجر – رحمه الله -: سُمِّي شعبان لتشغيلهم في طلب المياه أو الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وقيل غير ذلك. اهـ[1].

وقد تناقَلَ الناس أحاديث منْسُوبةً إلى رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – في تسمية شعبان، وهي لا تصِح؛ منها ما رُوي عن أنس – خادم رسول الله – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إنما سُمِّي شعبان؛ لأنه يتشعب فيه خير كثير للصائم فيه حتى يدخل الجنة))، وهو مَوْضوع، وتُرْوَى بلفظ: ((تدرون لِمَ سُمِّي شعبان؟ لأنه يشعب فيه خير كثير، وإنما سمِّي رمضان؛ لأنه يرمض الذنوب – أي: يدنيها من الحر))، وقد أخرجه الرافعي في تاريخه “تاريخ قزوين”، عن أنس، ورواه عنه أيضًا أبو الشيخ ابن حبان، بلفظ: ((تدرون لم سمي شعبان؟)) والباقي سواء، وهو موضوع، كما في “ضعيف الجامع” حديث رقم (2061)، و”السلسلة الضعيفة” برقم (3223).

ميزة شعبان: 
لا ميزة لشعبان كشهر على غيره من الشهور، سوى ما ورد من كثرة صيام رسول الله فيه، ومغفرة الله لخلْقِه في وسطه – كما سيأتي – دون ذلك، فلا ميزة لشعبان كما يتناقله الناس، ويوردون له أحاديث لا تصح؛ منها: عن عائشة، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((شعبان شهري، ورمضان شهر الله، وشعبان المطهر، ورمضان المكفر))، وهو موضوع، كما في “كشف الخفاء” (2/13) رقم (1551)، و”ضعيف الجامع” برقم (3402)، و”السلسلة الضعيفة” برقم 3476.

• عن أنس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي))، موضوع كما في “كشف الخفاء” (1/510) رقم (1358)، وابن الجوزي في “الموضوعات” 2/206 والسيوطي في “اللآلئ المصنوعة” 2/114.

فضل صيام شهر شعبان:يُسَنُّ الإكثار من صيام هذا الشهر؛ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد وردت في صيامه – مُطلقًا دون تخصيص أيام – أحاديثُ؛ منها ما رواه أحمد والنَّسائي وابن خُزَيْمة في صحيحه، وحسَّنَه الضِّياء والمُنذري والألباني وغيرهم، من حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – عندما سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائلاً: يا رسول الله، لَم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأُحبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائم)).

ومنها:
 ما رواه البخاري ومسلم، عن عائشة – رضي الله عنها – قالتْ: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان)). 

فدلَّ الحديثان على فضيلة لشهر شعبان؛ حيث كان يخصه النبي – صلى الله عليه وسلم – بصوم أغلبه، وهذا الصحيحُ من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُغنينا عمَّا يتناقله الناس من الضعيف.

ومنها: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يصوم شعبان كله، قالتْ عائشة: يا رسول الله، أحب الشهور إليك أن تصوم شعبان، قال: ((إنَّ الله يكتُب على كلِّ نفس منيته تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم))؛ (منكر)، “السلسلة الضَّعيفة” (5087)، ولا ننْسى أنْ نُنَبِّه على أنَّ الجزء الأول منه صحيحٌ، فقد ورد في البخاري برقم (1970): أن عائشة – رضي الله عنها – حدَّثته قالت: “لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون، فإنَّ الله لا يمل حتى تملوا))، وأحب الصلاة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ما دُووِم عليه، وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها”. 

قال ابن المبارك في هذا الحديث: “وهو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يُقال: صام الشهر كلَّه، ويُقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعلَّه تعشَّى واشتغل ببعض أمره”، وقال القاضي عياض في شرحه لرواية: كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً: “الكلام الثاني تفسير للأول، وعبَّر بالكل عن الغالب والأكثر”، وصوَّب هذا القول الحافظُ ابن حجر لدلالة الروايات عليه”؛ انظر: “فتح الباري” (4/252).

النهْي عن ابتداء الصَّوْم بعد النصف من شعبان:
يتناقَل الناس الضعيف والموضوع من كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مثل هذا الباب، ومنها:
 ((لا صوم بعد النِّصف من شعبان حتى رمضان، ومن كان عليه صوم من رمضان، فليسرده ولا يقطعه))؛ “ضعاف الدارقطني” (588).
 ((لا صيام بعد النصف من شعبان حتى يدخل رمضان))؛ “ذخيرة الحفاظ”(6216).

ويُغنينا عنه الصحيح؛ فقد جاء في “صحيح الجامع” الحديث رقم (397) تحقيق الألباني، و”تخريج السيوطي” (398)، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان)).

والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة، وقال المناوي في “فيض القدير”: “وحكمة النهي التقوِّي على صوم رمضان، واستقباله بنشأة وعزم”.وعلى هذا الحديث الصحيح استَنَدَ الحنابلة والشافعية، فقد كره الحنابلة الصومَ بعد النصف، وحرَّمَها 

الشافعية، والأَوْلى ترْك الصيام لِمَنْ لَم تكن له عادة مستقِرَّة كصيام يوم الاثنين والخميس، إلاَّ أن يكونَ صيام قضاء، وإليك التفصيلَ في أقوال الفقهاء: 
ذهب جُمهُور العلماء إلى جواز صيام النصف من شعبان وما بعده؛ لحديث البخاري ومسلم، عن عمران بن حصين: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا فلان، أما صمت سرر هذا الشهر؟))، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: ((فإذا أفطرت فصم يومين من سرر شعبان))، وهذا على قول من فسَّر “السرر” بـ”الوسط”.

وذَهَبَ الحنابلة إلى كراهية صيام النصف من شعبان؛ لحديث أبي هريرة السابق: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا)).

وحرَّمَه الشافعية؛ لحديث النهي عن صيام النصف، قال شهاب الدين الرملي: “إنَّ المعتَمَد جواز الصوم إذا انتصف شعبان إن وصله بما قبل نصفه، وإلا فيحرم”.

وجمع الطحاوي بين حديث أبي هريرة – رضي الله عنه، وهو النهي – وحديث النهي عن تقدم رمضان بالصيام، إلا إذا كان صومًا يصومه، بأن الحديث الأول محمول على من يضعفه الصوم، والثاني مخصوص بمن يحتاط بزعْمه لرمضان، وحسَّن الجمع ابن حجر.

ليلة النصف من شعبان:وردتْ عدَّة أحاديث تدلُّ على نُزُول الذات الإلهية ومغفرته لجميع خلقه إلا البعض، ممن استُثني في هذه الليلة، ومنها:• عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إنَّ الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن))؛ رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في “السلسلة الصحيحة” برقم 1144.

المشرِك: كلُّ مَن أشرك مع الله شيئًا في ذاته تعالى، أو في صفاته، أو في عبادته.

المشاحن: قال ابن الأثير: هو المُعَادي، والشحناء: العداوة.

وروى أحمد في “مسنده”، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يطلع الله – عزَّ وجلَّ – إلى خلْقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن، وقاتل نفس)).

وروى البيهقي، عن أبي ثعلبة الخشني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويخلي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه))؛ رواه البيهقي، وقال: هذا مُرسل جيد، وحسنه الألباني.

وقد ثبت نزول الرَّبِّ في تلك الليلة، وثبت أن المغفرة واقعة في تلك الليلة لجميع الخلق، إلا مَن استُثْنِي، وهم: المشرك، والمشاحِن، وقاتل النفس.

ويتناقَل الناس في فضل هذه الليلة أحاديث، ينسبونها إلى رسول الله، وهي أما ضعيفة أو موضوعة، ومنها: ((إنَّ الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب))، وهو ضعيف كما في “ضعيف الجامع” برقم: 1761.
• ((في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة))، وهو ضعيف، كما في “ضعيف الجامع” برقم: 4019.

تخصيص النصف من شعبان بصلاة وصيام: 
لم يثْبتْ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بقيام ليلة النصف من شعبان بخصوصها، ولا بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه – شيءٌ يعتمَد عليه.

فليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، إن كان له عادة القيام في الليل، فإنه يقوم فيها كما كان يقوم في غيرها، دون أن يكون لها ميزة؛ لأنَّ تخصيص وقت لعبادة من العبادات لا بد له من دليلٍ صحيحٍ، فإنْ لَم يكن هناك دليلٌ صحيحٌ فإن ذلك يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة.

قال ابن رجب – رحمه الله تعالى -: “وكذلك قيام ليلة النصف لم يثبتْ فيها شيء عن النبي، ولا عن أصحابه”؛ “لطائف المعارف” (ص264).

وقال القرطبي – رحمه الله تعالى – في تفسيره (16/128): “وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه، لا في فضْلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلْتَفتُوا إليها”.

وكذلك لم يرد في صيام نهار يوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه دليلٌ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم.

أما ما يتناقله الناس من الأحاديث في هذا الموضوع، فكلها ضعيفة، كما نَصَّ على ذلك أهلُ العلم، ولكن مَن كان من عادته أن يصومَ الأيام البيض، فإنَّه يصومها في شعبان، كما يصومها في غيره، لا على أنه خاص بهذا اليوم، كما كان – صلى الله عليه وسلم – يصوم ويكثر الصيام في هذا الشهر، لكنَّه لم يخص هذا اليوم، وإنما يدخل تَبَعًا.

وبالجُملة: فإنَّ ما وَرَدَ في فضل الصلاة والصيام في النصف من شعبان لا يُحْتَج به، ولا يُعتمد عليه، ولا يحل الأخْذ به، ولا العمل بمقتضاه، لا في فضائل الأعمال، ولا في غيرها، قال العلاَّمة أحمد شاكر: “لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها، في عدم الأخْذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صَحَّ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث صحيحٍ أو حسنٍ”.

وقد حكم ببُطلان الرِّوايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم: ابن الجوزي في كتابه “الموضوعات” (2 / 440 – 445)، وابن قيم الجوزية في “المنار المنيف” رقم (174 – 177)، وأبو شامة الشافعي في “الباعث على إنكار البدع والحوادث” (124- 137)، والعراقي في “تخريج إحياء علوم الدِّين” (رقم 582)، وقد نقل شيخُ الإسلام ابن تيميَّة الاتِّفاق على بطلانها في “مجموع الفتاوى” (28 / 138).

الصلاة الألفية:ونتيجة لما توهمه الناسُ في عُقُولهم من أهميَّة للصلاة والصيام في النصف من شعبان، ابْتَدَعَ الناس ما يُسَمَّى بالصلاة الألفية، قال المقدسي: وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء، وكان حسن التلاوة، فقام يُصَلِّي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة؛ “الباعث على إنكار البدع والحوادث” 124-125.

قال النجم الغيطي: إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز؛ منهم: عطاء، وابن أبي مُليكة، وفقهاء المدينة، وأصحاب مالك، وقالوا: ذلك كله بدعة. اهـ؛ “السنن والمبتدعات”؛ للشقيري 145.

صفتها: هذه الصلاة المبتَدَعة تُسَمَّى بالألفية؛ لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات.

وقد رُويت صفة هذه الصلاة، والأجر المترتب على أدائها، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في “الموضوعات”، ثم قال: “هذا حديث لا نشكُّ أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعًا”.

وهي مما ابتدعه الناس في النصف من شعبان، وقد قال عنها الإمام النووي في كتاب “المجموع”: “الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكْرِهما في كتاب “قوت القلوب”، و”إحياء علوم الدين”، ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإنَّ كل ذلك باطل، ولا يُغتر ببعض مَن اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك”.


ــــــــــــــ
[1] الفتح 4/251.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/6949/#ixzz3adC9wr8c

About Author