الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
نستنير في ظلال ذكرى شيخ الشهداء معشوق الخزنوي ، وفي تشخيصه لأمراض الأمة ، وما حقن بها من مخدر عندما يقول : أن المسلمون عامة والكورد خاصة مصابون بخلل في التفكير ، فقدنا النظرة الوسطية والموضوعية وبتنا بين الغلو والإفراط ، ارحنا عقولنا أمام هزائمنا وأخطائنا بعدم خلو امة من الخطأ ، وحملّنَا وزرها للساسة والعلماء ، تحرجنا من النقد والنصح ، ضخمنا اجازتنا ، وحجبنا الحقيقة عن امتنا .
وقد سبق وأن فصلنا القول في الحلقات السابقة عن معظم هذه الوصية ، لنصل في هذه الحلقة الى القول عن المرضين الأخيرين في هذه الوصية وهما: ضخمنا اجازتنا ، وحجبنا الحقيقة عن امتنا .
تضخيم الإنجازات : حيث يشير شيخ الشهداء الى نوع آخر من المخدرات المعنوية التي حقن الشعب به من قبل نخبنا السياسية والاجتماعية والدينية ، حيث بولغ في تضخيم الإنجازات عندما تكون المنجزات متواضعة ، أو غير موجودة أصلاً ، وحين تكون الاخفاقات كبيرة ، يتم بيع الأحلام وتحويل الخناعة الى ممانعة ، ومشاريع الفساد والفشل الى انتصار، ويتم نفخ تلك الانجازات البسيطة والصغيرة حتى تعطى اكبر من حجمها ، ويظن الناس ، وتظن الجماهير أنها الحقيقة .
اضيفت هالة كبيرة على تلك المنجزات بحجة: حتى لا نـزعزع ثقة الناس بهذا العمل الذي قمنا به، وسخر لذلك مكينات إعلامية كاملة لتلميع الصورة، وتضخيم أصغر النشاطات، ليغدو كبيراً بفعل الهالة الإعلامية المصاحبة.
بل الأنكى من ذلك اختلقت الانجازات وهي غير موجودة أساساً وحقن الشعب بمورفين الحلم ، وبولغ في تهوين الأخطاء ، وحقن الشعب بمخدر غابت عنه الحقيقة في محاولة الهروب من الخطأ بأي شكل .
ودائماً أسمع هذه الكلمة: الأمور على ما يرام، الأوضاع تبشر بالخير ، لا يوجد داعي للمبالغة والقلق ، فهم حريصون على تحقيق أي نجاح حتى ولو كان شكلياً، وتضخيم المنجز ولو كان عادياً.
ولئن وجد أناس تخدعهم الهالة، فهناك من يجيد القراءة لما يطرح ويميِّز بين المنجز الحقيقي وتلك الهالة التي لاتلبث أن تنفجر في وجوه صناعها، لأنها لاتستند على مقومات نجاح حقيقية قدر اعتمادها على (الفذلكة) و(الفهلوة) واللعب بالبيضة والحجر، التي قد تخدع بعض الناس لبرهة، لكنها سرعان ما تنجلي عند أول اختبار حقيقي لايجدي معه الترقيع أو التلميع!!
حجب الحقائق: حجبت الحقائق عن الشعب بشتى الحجب ، في حالة تعبر عن عدم الثقة بهذا الشعب ، وكأن الشعب ليس على مستوى إدراك الأوضاع والحقائق، والمشاركة في التفكير، فهناك من يفكر بالنيابة عنه، وهناك من يتصرف بالنيابة عنه، وهناك من يوقع بالنيابة عنه، وهناك من يعمل كل شيء، ما بقي إلا من يأكل ويشرب بالنيابة عنه.
إنه المخدر المعنوي الذي حقن به الشعب حيث يضطر الى مراجعة الشيخ أو رئيس العشيرة أو سكرتير الحزب كلما استجد له امر ، حتى نوعية الطبيب الذي عليه مراجعته من أجل زوجته التي لا تحبل ، فالشيخ يعرف اكثر ، أو شيخ العشيرة ادرى بالمصلحة ، وسكرتير الحزب أو القيادة تعلم ما لا نعلم .
انها ثقافة الانتهازية ، الذين يرغبون في إطالة زمن الأزمة وكما يقول المثل { يا بخت من نفع واستنفع }، والجماهير بهروبها من مسؤوليتها أصبح ينطبق عليها المثل الصيني الذي يقول : (المشكلات التي نعانيها الآن من صنع الأجيال السابقة، وسوف تحل بواسطة الأجيال اللاحقة) ، أما نحن فصرنا خارج الأقواس، ليس لنا دور في صناعة هذه المشكلات، ولن يكون لنا دور في حلها، وهذا هروب غريب من مواجهة المشكلات التي نعانيها .
وكمثال على ما سبق وخطره على الشعب استشهد بما كتبه الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي ـ الأميركي في واشنطن حيث يقول : خسرت الولايات المتحدة الحرب في العراق قبل أن تبدأ، لسبب مهم، هو أن إدارة بوش لم تدرك أهمية كسب ثقة الرأي العام وتأييده، ففي فترة التحضير للحرب، لم تكشف إدارة بوش الحقيقة للشعب الأميركي، أسباب غزو العراق ، أو التكاليف ، أو الانعكاسات المتوقعة لمثل هذا الغزو، إنما اعتمدت هذه الإدارة أساليب المبالغة ونسج الأوهام لتبرير الحرب.
ففي خطاباتهم وحواراتهم، قلل انصار الحرب من أهمية تكاليفها وابلغونا انها ستكون حربا خاطفة وبكلفة منخفضة نسبيا، وانها ستعتمد استراتيجية ‘الصدمة والرعب’، التي ستعقبها أسابيع من القتال وربما أشهر من عمليات التطهير. وقدر أحد مسؤولي البنتاغون ان العملية لن تحتاج لأكثر من 90 ألف جندي وستة أشهر وبضعة مليارات من الدولارات، وبأن عائدات النفط العراقية ستمول عمليات اعادة الإعمار.
وفي الوقت ذاته، قيل لنا ان القوات الأميركية ستطيح الدكتاتور ونظامه المكروه، وسيلقون الترحيب من الشعب العراقي كمحررين وان هذه القوات ستشرف على ولادة الديموقراطية الجديدة ‘التي يمكن ان تصبح نموذجا للشرق الأوسط برمته’.
بعد ذلك، بدأت الحقائق تتكشف والأوهام تتبدد، حيث لا أسحلة دمار شامل في العراق، واستمرت الحرب وظل الضحايا يسقطون وبإعداد متزايدة، وتجذرت عمليات التمرد، وأظهرت استطلاعات الرأي ان العراقيين ليسوا راضين عما وصفوه ب’الاحتلال’، وانتشر الانفلات الأمني وفقد سكان بغداد الأمان.
وسارع البيت الأبيض والبنتاغون للبحث عن مبررات وأوهام جديدة والحفاظ على تأييد الجمهور الأميركي، واطلقوا على التمرد وصف ‘اليائسين’ و’فلول البعث’ أو ‘الارهابيين الأجانب’، وقالوا ان أيامهم معدودة، وأمر البنتاغون بعدم السماح بتصوير اكفان الجنود الأميركيين الذي يسقطون في العراق وحظر على المستشفيات العراقية الكشف عن اعداد الضحايا.
ويختتم الدكتور جيمس مقالته بمقوله : اما الدرس الذي علينا تعلمه فهو ضرورة قول الحقيقة للشعب الأميركي.
كان يمكن هذا الحجب في بعض الأحيان، إذا كان من المصلحة أن بعض الأمور تحجب، لكن المشكلة اليوم أن أجهزة الإعلام العالمية أصبحت تدخل كل بيت وكل عقل، فما تحجبه أنت يوصله غيرك، فأصبحت لم تفلح في حجب هذه الحقائق عن الأمة، ولكنه لم تتكلم أنت في حين تكلم غيرك، تكلم الخصوم والأعداء والمتسرعون، ولكنك أنت لم تتكلم لأنك ترى أنه لا يوجد داعي للحديث عن هذه الأمور، وينبغي ألا يتحدث بها الناس مثلاً، وبالتالي أصبحت الجماهير تفاجأ -في كثير من الأحيان- أنها تكتشف بنفسها هذه الأخطاء، وهذه الحقائق، ويصبح تغييبها وسترها أمراً ليس في الإمكان، لأنه سيكون هنا إحباط معين، وتزعزع ثقة الشعب بساستها ، لأنها شعرت أنهم غير صادقين فيما كانوا يقولون، أو أنهم كتموا عنها الحقائق وحجبوها، وغيبوا الأمة فترة من الفترات، والواقع أننا ينبغي أن نخاطب الأمة.
أقول: إلى متى سنظل نخاف على هذه الأمة؟ ، إلى متى تظل الأبواب مغلقة؟ وإلى متى نظل نحجر على هذه الأمة؟ لا نريدها أن تعلم بشيء ولا أن تطلع على شيء، مع أنها تتعلم وتطلع، أقل الناس اليوم من يقرأ في جريدة، ويسمع في الإذاعات، ويسمع في المجالس، ويطلع على أشياء كثيرة.
بقي فقط ساستنا وعلمائنا ورجال المفاوضات فينا ، والمخلصون، هم الذين -في كثير من الأحيان- يؤثرون عدم الحديث، ولذلك لم يظهر لهم صوتٌ وصورة صحيحة. إذاً لا داعي لأن نحجر على هذه الأمة ونفقد الثقة بها، فالأمة -إن شاء الله- ستنضج متى ما أعطيناها الثقة .
ان ايصال الحقائق للشعب ووضعها امامه بوضوح وصراحة وتقديم ما يمكن تقديمه من رؤى ومشاريع ومخططات قد تسهم في ايقاف عوامل السقوط والانحلال في المجتمع ومنح الشعب حرية اختيار طريق معالجة ما يتعرض له دون ضغوط وأملاءات .
اما محاولات اخفاء الحقائق وحجبها عن الشعب واطالة زمن الازمات والافادة من تداعياتها لمصالح حزبية او ذاتية فأنه يتعارض تماما” مع الصالح العام ويكون اكثر خطرا” في تسريع ونمو عوامل السقوط والانهيار للمجتمع
ما يريد شيخ الشهداء أن يلفت الأنظار إليه ، وأن يعيها جماهير شعبنا ما قاله ابراهام لينكولن ‘انك تستطيع ان تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكن لا يمكنك ان تخدع كل الناس كل الوقت’.
رحمك الله شيخنا معشوق الخزنوي وأعلى الله مقامك في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، سلام عليك يوم ولدت ، وسلام عليك يوم استشهدت في سبيل ما تؤمن به ، وسلام عليك يوم تقف امام الرب القادر تقتص من ظالميك .
for Dialogue Tolerance and Religious Renewal
المقالات المشابهة
الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي.. نصير الحق وصوت الحرية
تسعة عشر عاماً على اختطاف واغتيال شيخ الشهداء معشوق الخزنوي
آلدار خليل والنقشبندية والبارزانية والديمقراطي الكردستاني