Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

أهمية وفضل شهر رمضان المبارك – الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

بعد أيام يطالعنا هلال رمضان ، وهو شهر خصه الله بالكثر من المزايا والفضائل حيث فضله على كل الشهور.فالله تبارك وتعالى هو الخالق لكل شيء قال {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[ الزمر: 62 ] ، فالله خالق كل شيء ، والخالق يتصرف في ملكه كيفما يشاء ويفضل بعض مخلوقاته على بعض بعظمته وحكمته وعلمه ، فقال {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ }[القصص : 68 ].

فالله خلق السموات سبعاً واختار السماء السابعة فاختصها لعرشه، كما أخرجه الإمام شمس الدين الذهبي في كتاب العلو عن عبد الله بن عمرو قال : جعل الله فوق السماء السابعة الماء ، وجعل فوق الماء العرش ” وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح.

وخلق الله الجنان واختار منها جنة الفردوس ، كما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ” .

وخلق الله الخلق واصطفى من الخلق الانبياء ، واصطفى من الانبياء الرسل ، وقال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج:75]، وفي القرآن الكريم الكثير من الامثلة على ذلك منها قول الله تعالى :  {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33].

واصطفى الله الخالق من الرسل أولي العزم كما يقول الله تعالى في قرآنه {  تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ  وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ }[ البقرة : 253 ]، واشهر الأقوال أنهم الخمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين.

وخلق الله البلاد غير أنه فضل مكة المكرمة والقدس وأرض كردستان ووادي سيناء { جبل الطور } على سائر البقاع  ، وهي البقاع التي وردت في القرآن الكريم مقدسة أو مباركة ، وأدلة ذلك سردناها في حلقات تفضيلية  بثت على التلفزيون ومذاعة عبر اليوتوب بعنوان كردستان الأرض المباركة .

وخلق الله الليالي وفضل ليلة القدر عليها ، يقول المولى عز وجل : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 1-3].

وخلق الله  الأيام لكنه فضل يوم الجمعة ، حيث روى الامامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنة قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم: خير يوم طلعت علية الشمس يوم الجمعة. ففية خلق اّدم ، وفية أدخل الجنة، وفية أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة.

وخلق الشهور لكنه فضل شهر رمضان . قال الله تعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }[ البقرة : 185 ] .

هذا هو شهر رمضان سيد الشهور ، اختصه الله بالكثير من المزايا فيها ليلة خير من الف شهر ، وفيها انزل الله جميع كتبه على رسله كما جاء في الحديث الذي اخرجه الإمام احمد بن حنبل في مسنده  عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان ، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان ، وأُنزل الإنـجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) . حسنه الألباني .

ولعظم مكانة الصيام فقد خصه الله في قرآنه بالكثير من الآيات ، فقد ذكر الصيام في القرآن الكريم ؟ أربع عشرة مرة ، سبع مرات في سورة البقرة وحدها ، ومرة في سورة النساء ، ومرتين في سورة المائدة ، ومرة في سورة مريم ، ومرتين في سورة الاحزاب ، ومرة في سورة المجَادَلة أو المجَادِلة  . فالصيام فريضة كبيرة ، وركن من الأركان التي بني عليها الإسلام كما روى الامامان البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) .

فرضت في العهد المدني ، حيث لم يفرض الصيام على المسلمين عند بداية الاسلام في مكة ، وهذا قول جمهور العلماء، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: ” ذهب الجمهور –وهو المشهور عند الشافعية– إلى أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان “.

غير أنه كان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء ، وقد كانت قريش تصوم عاشوراء وتعظمه وتستر فيه الكعبة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصومه دون أن يأمر أحداً بصيامه، ويقول القرطبي رحمه الله في صيام قريش لعاشوراء في الجاهلية: ” لعلهم كانوا يستندون في صومه: إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل، صلوات الله وسلامه عليهما، فإنهم كانوا ينتسبون إليهما، ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما “.

وحينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول، وبعد مضى فترة من قدومه رأي صيام اليهود لعاشوراء ابتهاجاً بنصر الله لموسى عليه السلام على فرعون ، فصامه وأمر المسلمين في السنة الثانية من الهجرة بصيامه، فقد اخرج الإمامان البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ” كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ “.

قلنا أن الجمهور على أنه لم يفرض على المسلمين صيام قبل رمضان ، غير أن القول الثاني أنه فُرض على المسلمين قبل رمضان صيام عاشوراء ثم نُسخ هذا الحكم بعد فرض رمضان، وهذا قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

وفي شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة فرض الله على المؤمنين صيام شهر رمضان ،قال النووي رحمه الله في “المجموع” (6/250) : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين ، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة اهـ

 

يقول ابن القيم الجوزية في زاد المعاد : لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها فقد تأخر فرض الصيام الى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة ، وألفت أوامر القرآن فتنقلت إليه بالتدرج .

فالصيام هذه الفريضة العظيمة كما أن فرض على الأمة الإسلامية فقد فرضت على الأمم السابقة أيضاً ، يقول ربنا جل في علاه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[ البقرة : 183]، حدد الامام القرطبي أن المقصود من الآية “فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم”  هم اليهودُ ”  .

وليس في القرآن ولا في السنة النبوية بيان كيفية صيام الامم السابقة ،غير أن العلم اجتهدوا في بيانه معرفة ذلك ثم اختلفوا في هل هو تشبيه في اصل العبادة الصيام ام في الزمن والكيفية والله اعلم بذلك ،  وإن جاء في احدى الآيات أن من انواع الصيام عند الامم السابقة الامتناع الكلام كما امر الله مريم {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}[ مريم : 26]

كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توصيف صيام بني الله داود فقد اخرج الإمامان البخاري ومسلم عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:  « إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ».

قال صاحب المنار : ” وَلَيْسَ فِي أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصِّيَامِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا مَدْحُهُ وَمَدْحُ الصَّائِمِينَ ، وَثَبَتَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ كَانَ مَعْرُوفًا مَشْرُوعًا وَمَعْدُودًا مِنَ الْعِبَادَاتِ ، وَالْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ يَصُومُونَ أُسْبُوعًا تِذْكَارًا لِخَرَابِ أُورْشَلِيمَ وَأَخْذِهَا ، وَيَصُومُونَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ آبَ [ أغسطس ] ” .

وسمي شهر الصيام برمضان من الرمضاء وهو الحر الشديد ، لأن العرب عندما سمته وافقت شهرا حارا ، ومنه استلهم المسلمون تسميته من الرمضاء اي الحر الشديد الذي يذيب الشيء ،  لانه يرمض الذنوب اي يحرقها ويذيبها ، لأن الصائم يتعرض لكثير من النفحات الألهية التي تجعله يرجع كيوم ولدته امه بلا ذنب .

ويكفيه فخراً ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فضله ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) ، وفي رواية عند الترمذي وابن ماجه ( وينادي منادي : يا باغي الخير اقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة حتى ينقضي رمضان )

    كما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله  قال : (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات مابينهن إذا اجتنبت الكبائر )) .

ولأجل كل ذلك الخير يروى عن بعض السلف قولهم اذا دخل رمضان قال [ مرحباً بمطهرنا ] نسببه السمرقندي في تنبيه الغافلين الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غير اسناد ، كما رفعه ابو الفرج بن الحوزي في بستان الواعظين ورياض السامعين الى النبي صلى الله عليه وسلم .

About Author