Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

من يمثل الاسلام – الدكتور مرشد معشوق

الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

كلمة سماحة الشيخ الدكتور مرشد معشوق الخزنوي عبر الفيديو في المنتدى الدولي حول داعش الذي نظمه مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية Nrls في قامشلو تموز 2019

تفريغ المادة من قبل ادارة الموقع

هل داعش تمثل الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدات والسادة الكرام ، احييكم بتحية الاسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، واسأل المولى عز وجل لكم التوفيق والسداد والنجاح في لقاءكم هذا .

وادخل الى صلب الموضوع مباشرة فإن الدقائق المخصصة لهذه المداخلة لا تكفي للإجابة على التساؤل المطروح ولا التعرج على جميع جوانبه ، مما يقتضي الدخول السريع من دون مقدمات .

فكما ترون وتعلمون يعاني العالمين العربي و الاسلامي بصورة خاصة، والعالم کله بصورة عامة، من ظاهرة التطرف و الغلو الديني ، الذي تتجلى ذروته في تکفير الآخرين ، و إستباحة دمائهم ، و العبث و التلاعب بمقدراتهم، ولايمکن الاستهانة أبدا بهذه الظاهرة ولا التقليل من شأنها، لأنها صارت تترك آثار بصماتها بصورة واضحة على أکثر من صعيد.

والخطورة في احدى جوانبها تكمن في الدور الذي تلعبه التنظيمات و الجماعات المتطرفة، في ربط نفسها ، أو من يريد ربطها بالدين ، والإسلام على وجه الخصوص ، متجاهلين عن سابق قصد و إصرار الآية الکريمة (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )(النحل :125).

وبالتالي يبرز السؤال الاهم ، والذي طلبت اللجنة المنظمة لهذا اللقاء منا الاجابة عنه ، هل هذه التنظميات ، بغض النظر عن اسمائها – داعش – القاعدة – بوكو حرام – طالبان – الاخوان المسلمين –هل هذه التنظمات تمثل الإسلام .

وفي الإجابة اقول : استطيع كالكثيرين أن اقول وبعجالة انها لا تمثل الإسلام واستشهد بالعشرات من الادلة القرآنية التي تشير الى تسامح الاسلام ، وعدل الاسلام ، ومحبة الاسلام ، وقبول الاسلام للأخر وحرية العقيدة وغيرها ، ولكني عندها اجدني كمثل النعامة كما يقولون تدفن رأسها في الرمال ظناً منها أن لا احد يراها ، واكون كمن يعيش خارج السياق وخارج الزمان والمكان ، مقطوعة عنه الاشارة كما يقولون { السيغنال } .

وبالتالي فعند الفحص العلمي لهذا الامر ، وعند تنحي سطوة اللوبي الشعبي والجماهيري جانبا اقول :

داعش على سبيل المثال روجت لنفسها أنها تمثل الإسلام ، وأصدرت إحدى الفيديوهات الدعائية بعنوان “خلافة على منهاج النبوة” في اشارة الى حديث نبوي ، وللتدليل على  أنهم هم المقصودون، أو أنهم هم من يحققون الحديث الآن.

في حين يستخدم خصومهم أو المناهضين لفكرهم ، آحاديث مقابلة للتدليل على أن داعش خوارج ، بل ويجب أن يقتلوا قتل عاد (أي أنهم يجب أن يُبادوا)

فبين مدافع عنهم ومستميت من أجل جعلها خلافة على منهاج النبوة ، وبين مستميت أخر في مقابلهم بوصمهم بالخوراج اعتقد أننا نغفل عن جانب مهم .

فداعش كما غيرها من التنظيمات خلافة على منهاج المسلمين ، وخلافة على منهاج الأمويين ، وعلى منهاج العباسيين ، وعلى منهاج العثمانيين ، وهنا اتعمد هذه الالفاظ ولست غافلا عن دلالاتها .

هي تنظيمات تسعى لتطبيق ما تعلمناه ، ونعلمه في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا على أنه الدين ، وأنه الاسلام ، ولا ينقصني لا الجرأة ولا الملكة العلمية في الاستشهاد بالعشرات من المسائل في كتبنا الفقهية والعقدية التي تدرس في معاهدنا لكن ليس هنا محله ولا الوقت يسمح لسرده  ، بل اسمحوا لي اكن صادما اكثر لكم إن قلت أن داعش هي اخلص تنظيم من جميع اخواتها في تنفيذ ما قرأوه ، وما تعلموه ، وفي اعتزازهم فيما اعتقدوا انه الدين .

وعندما قلت أنها خلافة على منهاج المسلمين ، أو الامويين أو العباسيين أو العثمانين ، أقصد أنه ما من فعل فعلته داعش ، ولا من إجرام أجرمته داعش إلا وله مستند في تاريخ المسلمين وتصرفات المسلمين وفكر وفلسفة المسلمين .

لكن مهلا أيها العقلاء ، انا اقصد كل لفظ اقوله ، فعندما اتعمد الالفاظ فأقول المسلمين ، خلافة على منهاج المسلمين ولم أقل خلافة على منهاج الإسلام لكي نصل الى السؤال المطروح، هل داعش والقاعدة وبوكو حرام والإخوان يمثلون الاسلام ، أو انا ، أو أنتم ، ـو ما نسميه بالإسلام المعتدل أو المودرن ، أو الاسلام الديمقراطي ، او أي جماعة منا أو من المسلمين مهما كانت مسالمة أو عنفية تمثل الاسلام  ، هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نعيه ، ونفهمه ونجيب عنه ، هل للإسلام من يمثله .

وهنا أقول أنه لا يوجد من يمثل الاسلام ، ولا يمكن أن يتواجد من يمثل الدين ، لقاعدة مهمة معروفة في علم الاجتماع ، وهو الاختلاف والتباين بين المبدأ والمنهج ، وهذا ما نعاني منه { إشكالية الخلط بين المبدأ والمنهج }.

فالمبدأ هو مجموعة المعتقدات (دينية كانت أو فكرية) والقيم والاستراتيجيات التي يتبنّها أي فرد أو مجموعة ، مؤسسة أو كيان ، أما المنهج فهو طريقة تنفيذ تلك الاستراتيجية ، والمنهجية المتبعة لنشر تلك المعتقدات و الفكرة أو القيم .

وتأسيساً عليه الدين أو الاسلام هو التعاليم الالهية التي خوطب بها الانسان على وجه التكليف ، والتدين والفقه هو الكسب الانساني في الاستجابة لتلك التعاليم ، وتكييف الحياة بحسبها في التصور والسلوك .

ومن هنا يظهر الاختلاف : فإن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين ، إذ الدين هو تلك التعاليم المنزلة من قبل أمين الوحي الالهي جبريل عليه السلام على قلب أمين الوحي الارضي محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام وهذا شرع الهي ،  أما التدين فهو التشرع البشري أو الانساني بتلك التعاليم وهو كسب انساني .

الدين هو الوحي المتمثل في الكتاب والسنة الثابتة سنداً والصحيحة متناً، أما التدين فهو اجتهادات العلماء  وفقههم في فهم هذا الوحي وتفسيره وإنزاله على أرض الواقع.

وهنا يكمن الفارق بين المبدأ وتطبيقه ، فمن السهل أن تصدر الأوامر ، وتوضع الخطط والأفكار ، ولكن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان وأهواء الانسان.

وهذا الأمر ليس خاصاً بالإسلام بل على كل الأديان ، السماوية منها والأرضية ، بل يسري حتى على النظريات والأفكار البشرية ، والأمثلة على ذلك اكثر من أن تحصى .

فالشيوعية اختلفت رؤاها الفكرية بين لينين وتروتسكى ، واختلفت تطبيقاتها مع الأصول الفكرية لما قاله ماركس ، ثم اختلفت تطبيقاتها فيما بين الصين والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا ورومانيا .

والديمقراطية فكرتها واحدة ولكن تختلف تطبيقاتها فى دول الاتحاد الأوربي وأمريكا ، وبين تطبيقها في دول الجامعة العربية ، او حتى تطبيقها في احزابنا الكردية .  

وحتى مصطلح العلمانية ومدى الفصل بين الدين والدولة لا يخلو من اختلاف نظرى وتطبيقى ، وهذا واضح وجلي بين التطبيق الكمالي للعلمانية في تركيا الذي تمثل في محاربة الدولة للدين ، وبين التطبيق الفرنسي أو البريطاني الذي تمثل في حيادية الدولة من الدين .

هذا على مستوى الأفكار والأهداف البشرية و التطبيق العملي لها ، لكن تراه أيضا فى الأديان البشرية الأرضية.

تراه في البوذية التي ترفض اللجوء الى العنف وهو ما يميز جوهر التعاليم البوذية برفض فكرة العنف من جذورها ، فالإنسان عنده لا يمكن أن يبلغ الحقيقة ما دام يرغب في إيذاء الآخرين  ، والتي مارست تحت اسمها بحق المسلمين الروهينغا ما لا تبدأ باغتصاب نسائهم ولا تنتهي بقتلهم وحرق منازلهم.

وكذلك تراه فى الدين الالهى السماوي :

تراه فى المسيحية التى تتسم بالحب والتسامح والعفو والمغفرة ، ولكن تحت رايتها تم استرقاق معظم الشعوب ، وإبادة بعضها على يد الاسبان أكثر المسيحيين تمسكا بالمسيحية .

ودفع الثمن فى العصور الحديثة معظم أمم العالم من الهنود الحمر فى أمريكا ، ومروراً بشعوب آسيا فى اندونيسيا والهند والصين ، والشعوب المسلمة فى أواسط آسيا ، وصولاً الى العرب والأفارقة، كل العالم تقريبا قامت أوربا المسيحية باستغلاله وقهره خلال ثلاثة قرون انتهت بحربين عالميتين أزهقت حياة الملايين من البشر الأبرياء .

فى كل ذلك التاريخ الدموى لأوربا المسيحية لم يتهم أحد المسيحية بأنها دين الارهاب والإبادة الجماعية ، ولم يجعلها أحد مسؤولة عما فعله المسيحيون الأوربيون ، فالمسيحية لم تتحمل وزر الاستعمار الأوربى ، والمذابح الغربية بدءاً من استعمال السيف والرمح فى العصر الرومانى ، الى استعمال القنبلة الذرية فى الحرب العالمية الثانية ، والأسلحة المحرمة دوليا فى فيتنام وما بعد فيتنام.

وكذلك الاسلام كدين ونصوص مقدسة واختلاف فهمها في اختلاف المذاهب والفرق الاسلامية وتطبيقها واختلاف تجربتها منذ 1440 عاما والى الان ، وما رافقه من اسعباد وقتل مورس تحت اسمه .

هذا يوصلنا لقاعدة اساسية مفادها أن التطبيق البشري لمبادئ المسيحية والإسلام يتشكل تبعا لثقافة كل دولة أو مجتمع ، ولهذا ترى فى المسيحية الأوربية ملامح أوربا ، وترى فى المسيحية المصرية القبطية ملامح الثقافة المصرية الزراعية ، كما يختلف التدين المصرى بالإسلام عن التدين الصحراوى العنيف الذى تجده فى الجزيرة العربية وأفغانستان .

الفارق الوحيد هنا أنهم برءوا المسيحية من جرائم إرتكبتها الأكثرية من معتنقى المسيحية ، وظلت ترتكبها منذ فجر المسيحية الى منتصف القرن العشرين ، من عصر الرومان الى وقت الصرب والأمريكان ، وفى نفس الوقت جعلوا الاسلام هو المسئول عن ارهاب ارتكبته تنظيمات لا يمكن أن يصل عدد أفرادها بضع مئات الألوف ضمن تعداد للمسلمين يصل الى مليار ونصف المليار من البشر.

الاسلام أو أى دين أو أى منهج أخلاقى أو تشريعى هي مبادئ ، وأوامر ، ونواهى ، ونظم ، وقواعد كلها فى الأصل تنحو نحو ما ينبغى أن يكون ، أما التطبيق البشرى فهو ما هو كائن فى الواقع من سلوكيات وأفعال ، ولا يصح الخلط بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون .

الاسلام فى القرآن الكريم هو تلك القيم الى تدعو للسلام ، وحرية العقيدة ، والفكر ، والعدل ، والقسط ، والرحمة والتعاطف ، و هو الأمر بكل ما هو معروف وخير ، من تلك القيم الانسانية ، وهو ايضاً الناهي عن  كل ما هو منكر من الظلم ، والعدوان ، والبغى ، والإثم ، والفحشاء  ، والفساد .

قال الله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) [ الحديد : 25 ].

فالإسلامُ هو حجةُ الله على العالمين وليس العكس .

وهو الذي نقيسُ به المسلمين وليس العكس .

والرجال يُعرَفون بالإسلام، وليس الرجال هم الذين يُعرَف بهم الإسلام.

وقد جاء في الأثر عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : لا يعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله .

وانصف من قال: من عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال.

فمن الخطأ أن ننظر إلى الإسلام ، وقيمه ، ومبادئه ، وأخلاقه ، وتشريعاته من خلال أتباعه وسُلوكهم وتصريحاتهم ، وذلك لنقطة مهمة جدا جدا اننا لا نطبق النص الديني ، او النص المقدس ، ولا يمكن ان نطبق النص الديني او المقدس ، لان النص الديني جامد غير قابل للتطبيق مجرداً ، وانما يحتاج الى عقل ليفهمه ويفقهه ويفسره وبالتالي يطبق فهمه للنص الديني وفقهه وتفسيره .

هذا الفقه للنص الديني او هذا التفسير للنص المقدس بشري وليس الهي ، لان الفقه والتفسير فهم ، والفهم يرجع للبشر ، ولما كان الفقه والتفسير فهم بشري ، فبالتأكيد هذا الفهم متعدد بتعدد العقول والاشخاص ومختلف باختلاف العقول ، وطالما هو بشري إذا فهو متجدد بتجدد البشر ، ولذلك لا يصح نسبة هذا الفهم فضلاً عن ممارسته الى الاسلام والدين، ولذلك جاء في صحيح مسلم أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية يوصيه بتقوى الله وعدة وصايا أخرى ، منها: ((وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمِك؛ فإنَّك لا تدري: أتصيبُ حكم الله فيهم أم لا؟)).

قاعدة أساسية تلك التي يشير إليها المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه لا يستطيع أحد مهما أوتي من العلم والفهم والفضل والقدر أن يقول إنَّ فهمَه ورأيه هو مراد الله، بل يقول: هذا ما أفهمُه من حكمِ الله، وهذه قراتي للدين ، وهذا تفسيري للدين .

وبالتالي فلا ممثل للاسلام ، وانما داعش قراءة في الاسلام ، والاخوان المسلمون قراءة في الاسلام والاشعرية قراءة في الاسلام ، والماتوريدية قراءة في الاسلام ، والسلفية قراءة في الاسلام والشيعية قراءة في الاسلام ، والزيدية في اليمن قراءة في الاسلام ، والاباضية في عمان قراءة في الاسلام ، والإسلام الديمقراطي في غربي كردستان قراءة في الاسلام والصوفية قراءة في الاسلام وحتى ضمن الصوفية الرفاعية في حلب وبغداد قراءة في الصوفية والاسلام ، والقادرية في عامودة قراءة في الصوفية والإسلام ، والنقشبندية في حلوة وخزنة ومرجه وتل معروف قراءة في الصوفية والاسلام ، ولا يمكن الادعاء بان احد من هؤلاء يمثل الاسلام بالرغم من ان كل من ذكرتهم يخوضون المعارك ليثبتوا للاخرين انها الممثلين الصحيحيين للاسلام ، يخوضون معارك ان قتالية او فكرية .

وكل يدَّعي وصلاً لليلى …. وليلى لا تقر لهم بذاكا

About Author