Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

القلب أهميته وأنواعه

الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

السيدات والسادة الكرام – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – واسأل الله الكريم أن تكونوا بخير وعافية وامن وآمان – وأن يرفع هذا البلاء الذي انتشر في العالم اجمع عن العالمين .

ورمضان مبارك عليكم جميعا – سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا للإيفاء بحق رمضان ، والتوفيق للصيام والقيام – وأن يجعلنا جميعا فيه من المقبولين .

الأحبة الكرام : مرحبا بكم في اللقاء الأولى من برنامجنا لهذا الشهر – اذي نتحدث فيه عن القلوب وأنواعه وأمراضه .

وسبب اختيارنا لهذا الموضوع هو خطورته –  وذلك أن موازين الله تختلف عن موازيننا نحن البشر ، نحن في موازيينا ننظر الى صور الناس وهيأتهم ومظاهرهم ، وهي أول ما يقع عليه نظرنا  – تجذبنا – والمظهر الخارجي يبهرنا .

وفي فن المقابلات للعمل يخبرك الخبراء بالاهتمام بالمظهر – حتى توحي للمدراء أنك رجل شيك  – وأنيق ، وهو أول انطباع يأخذونه عنك ، هذا ميزاننا نحن البشر – نعم للأسف هكذا هو ميزان التعامل في دنيا الناس اليوم .

ولو كنت تمتلك الاموال ، فالقروش تجملك – وتحسن من هيئتك الرثة ، وتسيل لعاب الناس من حولك ، فيقدروك ويبجلوك ، وفي أمثال العامة يقال  [ الفلوس تشتري النفوس ] ، والشاعر قديما قال :

فصاحة حسان وخط ابن مقلة          وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم

اربع صفات – كل واحدة منها لا تقدر بثمن – لو كنت تمتلك فصاحة حسان – حسان بن ثابت شاعر الإسلام – وشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم –  وخط ابن مقلة – ابن مقلقة الشاعر والوزير العباسي والخطاط الشهير – أشهر خطاطي العصر العباسي ومخترع خط الثلث،  وحكمة لقمان –  لقمان العبد الصالح الذي سطر القرآن الكريم حكمه ووصايا – وزهد ابن آدهم – هذا العالم العابد الذي ترك الدنيا خلف ظهر ، ولم ينظر الى ما في ايد الناس من الدنيا ، واستغنى بالله عنها – كان أميراً من أبناء الملوك في بلخ في افغانستان – خرج للصيد مرة ، واثناء انشغاله بمطاردة صيده سمع هاتفا يقول له –  “والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت!”- فنزل كالصاعقة في قلبه – نزل عن دابته – وهام في الأرض، حتى صادف راعياً لأبيه، فأخذ جبته فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه وترك طريقته، في التزين بالدنيا، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع. وكان يعمل ويأكل من عمل يده.

هذه الصفات الجميلة الرائعة – الفصاحة والخط الجميل – والحكمة والزهد – من لا يريدها .

فصاحة حسان وخط ابن مقلة          وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم

كل هذه الصفات :

لو اجتمعوا في المرء ، والمرء              مفلس ونادوا عليه لا يباع بدرهم

هذه موازيينا في هذه الدنيا ، والمقاييس التي نتعامل بها فيما بيننا ، لكن ميزان الله مختلف جداً ، والوصول الى الله لا يكون لا بالمظهر الحسن ، ولا بالهيئة الجميلة ، ولا بكمية الاموال المكدسة لديك .

وإنما تصل الى الله بجمال قلبك لا بجمال مظهرك – الوصول الى الله بسلامة قلبك لا بسلامة بدنك ، السير الى الله لا نسير إليه بالأقدام إنما نسير إليه بالقلوب ، يؤيد هذا ما ورد في صحيح الإمام مسلم  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَـى صُوَرِكُمْ وَأمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَـى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ } .

فالقلب محل نظر الله عز وجل ، وكلما كان القلب نقياً تقياً ، طاهراً نظيفاً ، كان سير العبد إلى الله أسرع ، وكان بلوغه إلى الرضا والقبول والفوز أسرع من غيره ، وإذا كان القلب ضعيفاً أو مريضاً فإن سيره يضعف والعياذ بالله ، وهذا ما يقرره المولى عز وجل على لسان خليله إبراهيم عليه السلام : ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء/88 /89] ، والله عندما امتدح خليله إبراهيم امتدحه بامتلاكه ذاك القلب السليم – اسال الله أن يرزقنا جميعا قلبا سليماً – فقال :  (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ – أي من شيعة نوح عليه السلام وعلى منهجه –  لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )- [الصافات83/84].

فالله سبحانه وتعالى امتدح خليله إبراهيم بالقلب السليم ، وذلك لأن القلب تاج الجسد ، الحافظ ابن حجر يقول : [ سمي القلب قلباً  لأنه خالص ما في البدن، وخالص كل شيء قلبه ]، وقال رحمه الله: [وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير، تصلح الرعية، وبفساده تفسد] . (فتح الباري 1/156).

وهذا ما يشير إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم  عنِ النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ} .

ولذلك يقول العالم الجليل والولي الصالح الشيخ عبدالقادر الجيلاني ، إن فقه اللسان من دون عمل القلب لا يخطيك الى الله خطوة واحدة ، إنما السير الى الله سير قلوب ، فإن الله يريد فصاحة قلبك ولا يريد فصاحة لسانك.

والقلب السليم هو سر تميز السلف عنا ، وكلمة سر تقدم العارفين بالله هو بالقلوب ، وهذا ما اشار إليه أبو بكر بن عياش رحمه الله احد كبار المحدثين واحد رواة القراءات السبعة المعتمدة – عندما سئل عن فضل أبي بكر الصديق وسر تميزه على غيره من الصحابة  فقال : “ما سبقهم أبو يكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه”.

لذلك نتحدث في هذا البرنامج عن القلب – لما له من اهمية – وعندما سأل  رجل الامام الحسن البصري رحمه الله  عظني؟ ،  فقال : اوصيك بقلبك .

ولا نعني بالقلب تلك العضلة أو المضخة التي تضخ الدم من الصدر ، والموجودة في جميع الكائنات الحية – الإنسان وغيره  ، إنما نعني به القلب من الناحية الإيمانية ، القلب العاقل الذي يميز الخير والشر ، الإيمان والكفر ، الحب والبغض ، هذا هو الذي يقصد به كمحل نظر الرب .

فإن للقلب كسباً ككسب الجوارح ، وعملاً كعملها، والله سبحانه أعلن أنه يؤاخذ على كسب القلب ثواباً وعقاباً، فقال سبحانه ( لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) [البقرة من الآية:225].

طبعا توجد العديد من الاقوال والاختلاف واقع هل يؤاخذ الله بعمل القلب أم لا – الإمام النووي رحمه الله يقول : في الآية دليل على المذهب الصحيح أن أفعال القلوب يؤاخذ بها إن استقرت، – استقرت بمعنى تم العزم عليها في القلب ، أي تجاوزت مرحلة الفكر الى مرحلة العزم على الفعل – ويرد رحمه الله على المنكرين لذلك فيقول : وأما قوله صلى الله عليه وسلم الله: { إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) .[رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ]  فمحمول على ما إذا لم تستقر – أي اذا كان مجرد خاطر لا العزم .

دليل آخر في سورة المائدة يقول المولى جل شأنه : ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ) [ المائدة  89 ]

ما تقولونه وترددونه على ألسنتكم في حياتكم اليومية – لا والله – بلى تالله من دون العزم في القلب لا يعتبر يمين – إنما اليمين ما عقد في القلب واستقر وتم العزم عليه فيه .

ويشهد لعمل القلب هذا – وأن الله يحاسب العبد عليه ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : {إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه، فالقاتل والمقتول في النار»، قيل: يا رسول الله!! هذا القاتل فما بال المقتول؟ – القاتل نعرف سبب دخوله النار واستحقاق غضب الله وهو قيامه بجريمة القتل ، فما شأنه ما الذي فعله ، هو الضيحة ، هو المقتول فقال عليه الصلاة والسلام  : «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه } ، فدخل هذا المسلم النار بشيء وقر في قلبه وهلك بسبب عمل قلبي ليس غير.

من أجل هذه الخطورة حديثنا عن القلب – ومن أجل أهميته علينا الاهتمام بالقلب –  والقلوب ثلاثة أنواع ، قلب سليم ، وقلب مريض ، وقلب ميت .

القلب السليم :  هذا القلب الذي به الخلاص يعرفه أبو سليمان الداراني نسبة الى مدينة داريا في الشام ، وهو من كبار علماء اهل السلوك في القرن الثالث الهجري ، وصفه الامام الذهبي بـ « الإمام الكبير، زاهد العصر ». ، يعرف القلب السليم :  بأنه القلب الذي ليس فيه غير الله .

ويقول فيه الجنيد البغدادي بأنه القلب الذي لا يكون فيه الا حب الله

ذو النون المصري يعرفه بأنه القلب الذي لا يكون فيه الا الخير

مصداقا لقول النبي أنه مخموم القلب هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولاحسد – قلب سليم  مِن الشحْناء والبغْضاء، صافٍ مِن الغدْر والخيانة.

والقلب السقيم :  المريض ، يه بذرة الإيمان لكن به علة ، مثقل بمرض الشهوات أو الشبهات أو بهما معاً ، وعلى حسب اللعل يعرف درجة مرض هذا القلب .

الله سبحانه حدثنا عن قسم من البشر ، وكيف يتعاملون مع آياته سبحانه ، فقال : (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) [ البقرة 10 ] .

المولى يحدثنا عن اصحاب القلوب السليمة والمريضية فيقول : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) [ التوبة 124-125 ] .

والثالث وهو القلب الميت : عرفه الشيخ ابن القيم -رحمه الله :” بأنه القلب الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه.. فهو متعبد لغير الله: حبا، وخوفا، ورجاء، ورضا، وسخطا، وتعظيما.

ويقول فيها ابن القيم ايضاً : قلب خالٍ من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلبٌ مظلم قد استراح الشيطانُ مِن إلْقاء الوساوس إليه،  لأنه قد اتَّخذه بيتًا ووطنًا وتحكَّم فيه بما يُريد، وتمكَّن منه غايةَ التمكُّن.

نسأل الله السلامة ، وان يرزقنا قلبا سليما مؤمنا صداقا خاشعا – هذا هو القلب – وهذه أهميته وخلال اللقاءات القادمة نتوقف عند كل نوع وما يرتبط به ، مبتدئين بالقلب السليم في لقاء الغد إن اذن الله لنا اللقاء ، والى الغد استودعكم الله – والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

About Author