Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

الشيخ معشوق ضحية وعبرة.. / بقلم الاستاذ محمد محفوظ رشيد

شيخ الشهداء معشوق الخزنوي خلال اشعاله الشموع في كنيسة اوبسالا السويدية 2005

رحل الشيخ (معشوق الخزنوي) شهيداُ عن الدين والوطن والقومية، وضحية الحداثة والانفتاح في أفكاره ودعواته، لقد أغضب بعض أركان المشيخة العائلية المنغلقة على أفردها عندما خرج عن تقاليدها المتوارثة وانتقدها، وأثار حفيظة بعض قيادات الأحزاب الكوردية حينما استحوذ على حب جماهيرها وهو يخطب من منابرها في أعياد نوروز المجيدة، وحرّك غرائز التصفية لدى التيارات الشوفينية المتعصبة في الدوائر الأمنية للسلطة عندما استشهد بآيات الذكر الحكيم وأحاديث الرسول الكريم، وتعاليم الاسلام الحنيف وهو يتحدث عن مظلومية الكورد وما لحق بهم من غبن وحيف واضطهاد، وعن شرعية حقوقهم وعدالة قضاياهم…أينما حل ووصل بكل جرأة ووضوح…
أجل! لقد نشأ الشيخ في كنف التكية الخزنوية القائمة على الوعظ والارشاد والتعليم، وتخرج مؤهلاُ وفق معاييرها، لكنه دعمها بدراساته الأكاديمية، فحازعلى شهادات عليا من أرقى الجامعات الاسلامية، فازدادت معارفه، واتسعت مداركه وتسامت مقاييسه، وتقوت محاكماته…، وبدأ ينظر إلى الأمور برؤية مميزة أساسها الجدلية والواقعية والعلمية…، فكان الصدام مع الموروث العقائدي على أصعدة شتى، أولها الصعيد العائلي، حيث تعرض للمحاربة اجتماعياُ واقتصادياُ..، ثم وصلت إلى حد الاعتداء عليه جسدياُ في أكثر من موقع ومناسبة انتقاماُ وتعبيراُ عن الصورة المهتزة لدى المريدين والأتباع، وانعكاساُ للخلافات المتفاقمة على السلطة والثروة واحتكار رأس الهرم في المشيخة الخزنوية.
وبسبب موقف مسبق من بعض آل الخزنوي كنت أتحاشاهم في المجالس، لكنني استقبلت وفداً كبيرٍاً وكريمٍاً منهم في خيمة عزاء لأحد أبناء عمومتي وترحبت بهم، واجباً وتقديراً لتشرفهم بالحضور، وفضولاُ ورغبةً للتعرف على الشيخ الشهيد عن كثب الذي عظم الوفد بمشاركته، وتحدثه نيابة عنهم بعد إلحاحٍ من الحضور، وتفويض من الأكبر سناُ بينهم، فتطرق إلى عدة مواضيع دينية واجتماعية وثقافية وسياسية… أتذكرمنها:
* (كنا نخطئ نحن بيت الشيخ عندما نمنع أهالي قريتنا من اكمال دراساتهم، ظناُ منا أنهم سيتمردون علينا ويجاوزوننا علماُ ومعرفةً، وكنا نخطئ أيضاً عندما كنا نمنع الناس من تجميع الثروة، ظناً منا أنهم سيغنون ثم سيعصون ويمتنعون عن خدمتنا والعمل لدينا ..).
* (الاسلام الذي لا يقر بكورديتي وبحقوقي القومية والوطنية والانسانية كباقي شعوب الأرض، فلا أعتنقه ساعة واحدة…)
* (سرد قصة إمام القرية الذي ترجى زعيمها ليأوي لاجئاُ عربياُ وآخر فارسياُ وآخر تركياُ… لوجه الله وفي سبيل الله على أنهم أخوة في الدين إلى أن امتلأت القرية بهم، وأصبحوا يتغطرسون ويعتدون على الأهالي، فيهتكون الأعراض، وينهبون الأموال، ويسلبون الأراضي، ويغتصبون كل ما يستطيعون عليه، وينشرون الرعب والفساد والويلات،…، حتى تذمر أهل القرية الأصليين وضاقوا ذرعاُ من جرائمهم وفواحشهم ومنكراتهم، فطلب الزعيم من رجل الدين القرية أن يخرج هو ومن آواهم باسم الأخوة والدين والله…ليتخلصوا من شرورهم).
* (حينذاك كانت الأساطيل العسكرية الدولية وحاملات الطائرات الأمريكية تجوب في مياه الخليج والمتوسط غداة التحضير لاسقاط الدكتاتور الطاغية صدام، أشار الشيخ إليها في حديثه وقال:” “şerê çûka ser garisê mema ye أي أن قتال العصافير على ذرة مه ما، وهذا مثل كوردي يضرب به عندما تجتمع القوى على ضحية واحدة ومعينة، كان يقصد بها الكل متعاونون ومتحاملون على الكورد أرضاُ وشعباُ وثروةً …).
* (إن الاسلام ليس فقط الصلاة والزكاة والحج…إنما الأساس هو الأخلاق واستشهد بحديث الرسول”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وربطها بالمعاملة والحقوق والواجبات…).
وبعد توديعهم قلت في نفسي وللكثير من الحاضرين: إن هذا الرجل يطرح أفكاراُ جريئة وجديدة وجديرة.. في مجتمعنا تعارض توجهات عائلة الشيخ أولاُ، وتقوض أبراج المحافظين والمتعصبين والشوفينيين والمتزمتين والأصوليين …ثانياُ، ويختلف عن أسلوب رجال الدين وسلوكياتهم الذين ألفناهم واعتدنا على نمط خطاباتهم الكلاسيكية المتكررة ثالثاُ، وأنهيت حديثي بقولي:”مهمته صعبة وخطيرة، فليعينه الله ويحميه”، وللأسف فقد حصل ما كنت أخشاه، عندما خطفوه الأشراروالمتوحشون.. ، ونسيوا أنهم نصبوه مناراً للأجيال يهتدون بأفكاره وأقواله .. وأقول في ذكر استشهاده: الخزي والعار لقاتليه، والمجد والخلود له روحاً ورسالة وذكرى..، رحمه الله وأسكنه جناته، لقد كان مستعجلاُ على رحيله، فقد خسرناه شيخاُ وعالماُ ومفكراُ وأباً ومناضلاُ… ، جريئاُ ومجدداُ وصادقاُ ومخلصاُ لدينه وقومه ووطنه وانسانيته…ونعم التركة والخلفة.. والذي خلف ما مات..
————- انتهت ——————-
بقلم : م. رشيد 30/05/2010

About Author