Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

الحقد – الحلقة 15 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي

السيدات والسادة الكرام ، تحدثنا عن القلب المريض وعلامته ، والحديث مستمر بنا اليوم عن مرض من أمراض القلوب ، ومرض القلب يقصد به المعاصي التي محلها القلب ، نحن كثيرا ما نسمع عن معاصي الجوارح كالسرقة والزنا وشرب الخمر ، هذه كلها إسمها معاصي الجوارح ، في المقابل يوجد معاصي للقلب ، ومعاصي القلب أخطر عند الله من معاصي الجوارح ، وخطورة معاصي القلب لثلاثة أسباب .

اولاً : خفيتها ، بمعنى أنها قد توجد في الانسان وهو لا يشعر بها ، حيث قد تجد رجلاً مصلياً و مزكياً وصائماً يمشي بين الناس ، وقلبه مشحون بمعاصي القلب من الكبر ، من احتقار خلق الله من الحقد ، من الحسد ، وهنا تكمن الخطورة ، حيث أن القيمة عند الله ليس للجسد ، إنما القيمة عند الله في كيان الانسان الروحي ، إلا وهوالقلب .

ثانياً:الامر الثاني لخطورة معاصي القلب ، أن معاصي الجوارح بما أنها ظاهرة ، والإنسان يسهل أن يتعرف عليها ، وبالتالي أن يتوب منها ويستغفر منها ، لكن معاصي القلب بما أنها خفية قد لا يشعر بها ولا ينتبه لها اكثر الناس ، إلا إذا نبه لها ، فتكون التوبة عنده بعيدة بحكم استشعار الحاجة اليها أصلاً .

ثالثاً :  أنه ما من معصية للجسد إلا ولها دافع من القلب  ، هي في الأصل فكرة تتقبل في القلب وينعقد العمل عليها في القلب ، ثم ينتقل الى الجوارح وتترجم في الفعل الخارجي .

من هناك كانت الضرورة والحاجة الى الحديث عن أمراض القلوب ، حتى نتعرف عليها ونحاول ان نوزن قلوبنا ونسرع الى علاجاتها ، وأول ما نبدأ به هو مرض خطير ، وهي اصل الشرور ، إلا وهو الحقد .

الحقد مشكلة كبيرة ومنتشرة بين كثير من المسلمين والمسلمات ، تجده ظاهريا ملتزما بكل او غالبية مظاهر الاسلام لكن قلبه مريض بالحقد ، قال الله عنهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) [البقرة: 204-205] .

 الحقد هو أن تكره إنساناً وتتمنى  الانتقام منه ، تكرهه وتتمنى الانتقام منه ، الحقد هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه.

اذا وجدت في نفسك الكراهية الشديدة والبغض العنيف لإنسان ، وتولدت لديك الرغبة في الانتقام وإنزال السوء بمن تكرهه ، إن وجدت هذا في قلبك فاعلم أنك اخذت جواز مرور سريع الى جهنم  ، البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه} .

الطبراني يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند فيه مقال ، قال : { الحقد والنميمة في النار لا يجتمعان في قلب مؤمن } لأن الحقد نار كلما اشتعلت في القلب كلما احرقت شجرة الايمان في القلب

الحقد داءٌ دفين ليس يحمله *** إلا جهول مليء النفس بالعلل

مالي وللحقد يشقيني وأحمله *** إني إذن لغبي فاقد الحيل

سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي *** ومركب المجد أحلى لي من الزلل

إن نمت نمت قرير العين ناعمها *** وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي

ولذلك فالحقد درجات ، ومستويات ثلاث ، أنت انظر في أي درجة يمكن ان تضع نفسك .

اول درجة من درجات الحقد هي درجة الانبياء والأولياء، وحاشاهم من الحقد ، لكننا تجاوزاً نطلق الحقد على انزعاجهم وتضجرهم من شخص ، أصحاب هذه الدرجة إذا دخل في قلبهم تجاه شخص انزعاج هرولوا للوصول الى ذلك الشخص ، واغتنام الفرص للإحسان إليه ، كما قال الشاعر :

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا *****بالطوب يرمى فيعطى أطيب الثمر

 النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة متجهاً نحو الطائف يريد لهم الخير ، يريد لهم الرفعة في الدنيا والآخرة ، لكن أهل الطائف أعميت قلوبهم فأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بلدتهم ،  وهم يطاردونه بالحجارة والسب والشتم ، مشى النبي صلى الله عليه وسلم هائماً على وجهه منكسر القلب حتى استفاق بقرن الثعالب ، حتى استفاق على رؤية جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال ، يقول له الملك الموكل بالجبال يا محمد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.

الدرجة الثانية هي درجة الصلحاء الفضلاء العقلاء وهم الذين إذا حقدوا على أناس لا يتبعون ثمار الحقد المرة ، يسكتون ، لا يحاولون أن يغتابوه وأن يقدحوا فيه ، ولا يشمتون بمصائبه .

يحيى بن معاذ الرازي احد كبار علماء وزهاد المسلمين في القرن الثالث الهجري له موعظة عظيمة يقول فيها :{  ليكن حظُ المؤمنِ منك ثلاثًا: إن لم تنفعهُ فلا تضره، وإن لم تفرحهُ فلا تغمه، وإن لم تمدحهُ فلا تذمه} [تنبيه الغافلين: 1/178].

الدرجة الثالثة هي درجة الاراذل والسفهاء وهم الذين نعوذ بالله أن نكون منهم ونحن لا نشعر وهم الذين اذا كرهوا إنساناً حاولوا أن يصلوا الى إيذائه بكل طريق.  

العلاج : من أجل أن تتخلص من هذه الآفاة ، و من أجل اجتنابها قبل أن تقع في قلبك

اولاً : عليك اجتناب مجالس الحقد ، تلك المجالس التي يدار فيها الحقد  والمكر ، الامام ابو داود يروي عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر } .

أبو حاتم البستي له كلمة علاجية مهمة يقول فيها : (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم )  [ روضة العقلاء 1/100] .

ثانياً : مصاحبة الاخيار ، الامام ابو داود يروي عن عمربن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { إنَّ مِن عبادِ اللهِ لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ تعالى، قالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَن هم؟ قال: هم قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النَّاسُ، ولا يحزَنونَ إذا حزِن النَّاسُ } .

الثالث الدعاء : أن يطهر الله قلبك وكان من داع النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((رب أجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي))  . والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ .

وكان دعاء أهل الايمان ما قاله الله عز وجل على لسانهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

About Author