Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

الحسد الجزء الثاني – الحلقة 17 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي

السادة الكرام – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – ومرحبا بكم في لقاء جديد نستكمل الحديث فيه عن الحسد ، نسأل الله السلامة منه فلا يرضيه شيء  ، كما قال الشاعر

كُلُّ العَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا                    إِلاَّ عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ

فَإِنَّ فِي القَلْبِ مِنْهَا عُقْدَةً عُقِدَتْ             وَلَيْسَ يَفْتَحُهَا رَاقٍ إِلَى الأَبَدِ

إِلاَّ الإِلَهُ فَإِنْ يَرْحَمْ تَحِلَّ بِهِ                      وَإِنْ أَبَاهُ فَلاَ تَرْجُوهُ مِنْ أَحَدِ

فاللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد ، الحسد تلك الجرثومة السيئة والخبيثة المحبطة للأعمال ، والجالبة لغضب الله ، والمفسدة  للمجتمعات ، وكل هذا تحدثنا فيه ، اليوم نتذاكر أيضا أن الحاسد جالب لنفسه الوجع ، والألم ، وحرقة القلب .

إصبر على كيـــد الحســود                                                       فإن صبرك قاتلــــــــه

فالنار تأكـــل بعضهــــــــا                                                            إن لم تجد ما تأكلـــــــه

الحاسد يُحمل نفسه وقلبه اثقالاً وألام الحرمان ، ويُوقد فيها نيران الغيرة ، ويعيش مع نفسه في بركان من التعاسة والشقاء ، لأنه لا ينظر الى عطاء الله وكنوزه الملأى ، ولا يعلق قلبه بطلب ما عند الله من فضل ، ولكن تضيق عينه ، وتضيق نفسه فلا ينظر إلا ما في أيدي الناس

ومن هنا يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله : (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم من حاسد، حزن لازم، وغمٌّ لا ينفد)  . هو ظالم بحسده ، لكنه ايضا مظلوم بما اشقى بها نفسه ، واتعباها ، وأضناها ، كما يقول الشاعر .

دَعِ الحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهْ           كَفَاكَ مِنْهُ لَهِيبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ

إِنْ لُمْتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ             وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ بِيَدِهْ

وقال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمُّ في وقت سرورك.

فاسألوا الله السلامة من الحقد والحسد ، وأن يظهر قلوبنا من الأمراض والذنوب ،  صحيح أن الحسد خلقه الله في قلوب بني آدم لكنها خصيصة حيادية ، كما خلق الله شهوة النساء في الرجال ، وكما خلق شهوة المال ، هي طبائع فطر الله الناس عليها ، لكنها في ذات الوقت خصائص حيادية ، بمعنى أنها قد تعلو بالإنسان إلي أعلي عليين ، أو تنزل به أسفل سافلين ، نحن مسيرون في وجود هذه الامور فينا ، لكننا مخيرون في تمني الخير أو تمني الشر، أو صرف تلك الشهوة في الحلال او الحرام .

كلنا يحب المال والذهب والدينار ، وهو أمر جُبلنا عليه من قبل الله عز وجل ، حتى قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ” من قال لكم أنه لايحب المال فعدوه من المجانين ” ولكن إذا أحببت المال وجعلته في يدك لا في قلبه هذا المال سوف يرتقي بك ، وإن بذلته للخير اوصلتك الى درجات الكمال والى سلامة القلب  ، لكن في المقابل إذا دفعك هذا الحب لجمعه من حرام ، واستخدمك المال ، فصدت له خادماً وعبداً هوت بك إلى أسفل السافلين ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { تعس عبد الدينار والدرهم } رواه البخاري.

وكذا محبة النساء ، والشهوة التي تدفعك الى النساء فطرة فطرنا عليها ، لكن الحرية والاختيار تكمن في أن يدفعك هذا الحب وهذه الشهوة الى حب امرأة حباً ظاهراً طاهراً عفيفاً يحملك على الزواج بها ، وتنشىء أسره مسلمة توحد الله عزوجل ، أو قد تدفعك الى حب امرأة يحملك على الرذيلة !! .

وكذلك الحسد فطرة اوجدها الله بذرتها في قلوب بني البشر ، واعطى للبشر الحرية والاختيار في تنمية تلك البذرة او دفنها وتخبئتها ، وقد سئل الحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف – لا أبا لك؟! ولكن غمه في صدْرك، فإنه لا يضرُّك ما لَم تعدُ به يدًا ولسانًا.

وهكذا هو الحسد ، هذا المرض الخبيث له ثلاثة مستويات

المستوى الأول: هو أن تتمنى أن يزول ماعند غيرك ليتحول إليك.

المستوى الثاني: هو أن يتمني زوال ما عند الغير حتى لو لم يذهب إليه ! لكي يشفى الحقد في صدره وقلبه.

المستوى الثالث: وهو أسوأ أنواع الحسد وهو أن تسعي ، وليس بالتمني في إزالة ما عند أخيك ، عن طريق التحريض عليه والتشهير به ومحاولة إلصاق كل إتهام به !

الآن تستطيع أن تفحص قلبك ، وتجري له اختبار الحسد ، اخوك ، صديقك ، ابن عمتك ، ابن خالتك ، ابن جارك وحيك ، إذا اشترى سيارة أفضل من سيارتك ، أو سكن في قصر أفضل مما عندك ، استلم منصب ارقى وأرفع من درجتك الوظيفية ، حظي بمكانة شعبية أفضل مما أنت عليه ، حظي بزوجة أجمل من زوجتك ، رزق بأولاد أنجب من أولادك فهل ستفرح له؟! هل ستقول والله قلبي فرحان و كأن هذا الخير الذي عند أخي هو عندي أنا، إذا قلت هذا فأنت من المؤمنين و علامة إيمانك أن تفرح بخير أخيك كأنه عندك أنت .

ولكن المشكلة إذا وجدت غير هذا ، و قد قال الله تعالى عن المنافقين : ﴿ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ﴾ فإذا كنت تفرح بخسارة أخيك ، أو بضياع مال أخيك ، أو بذهاب منصبه ، أو بخراب بيته ، اعلم علم اليقين أنك بهذا إنتقلت مباشرة من خندق المؤمنين إلى خندق المنافقين ، خندق مرضى القلوب ، هذه أولى علامات وإشارات وأعراض اصابة القلب بالحسد .

أيضا من العلامات : كثــــرة الشـــكوي وعدم الشكر :

فهو دائم السخط وعدم الرضا بما عنده ، ولا يعجبه حاله أبداً ، لأن هناك من هو أفضل منه ، مع أنه يمتلك الوظيفة الحسنة ، والعمل الجيد ، والأبناء الصالحين ، وسيارته الجديدة ، ورصيد كبير  مع كل ذلك يشتكي !! .

وفي نفس الوقت لا تجده يشكر الله أبداً سواء عنده خير أو لا ، فلا يقول ” اللهم لك الحمد ” وذلك لأنه يرى أن ما عنده حقير بالنسبة لما عند غيره ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ذات يوم على رجل مجذوب أعمى وأبكم فنظر إليه وقد وجده على قارعة الطريق وقال لمن معه: أترون في هذا الرجل من نعم الله شيئاً ؟ قالوا: وأين هذه النعم ؟ قال: ألا ترونه يبول فلا يعتصر؟! اللهم لك الحمد.

أيضا من العلامات : تتبــع العثرات:

دائماً يريد أن يشفي الغيظ الذي في قلبه بأن يجد لك ذله ، الإمام الترمذي يروي عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ذات يوم فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال : { يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ }.

الشاعر محمود الوراق له ابيات تعبر عن ذلك فيقول :

أعطيت كلَّ الناسِ من نفسي الرضا       إلا الحسودَ فإنَّه أعياني

لا أنَّ لي ذنبًا لديه علمتُه                       إلَّا تظاهر نعمةِ الرحمنِ

يطوي على حنقٍ حشاه لأن رأى      عندي كمالَ غنى وفضلَ بيانِ

ما إن أرى يرضيه إلا ذلَّتي                 وذهابُ أموالي وقطعُ لساني

فإذا وجدت من يفتش في أوراقك ويتتبع عثراتك فإنتبه له. فهو حاسد.

 أيضا من العلامات : محبة الإعتداء على المحسود والشماتة به :

فهو يعيش في حالة من إختلال التوازن ولذلك فهو يفرح ويسعد بالأذية تطال المحسود ، تجده يفرح بمصيبتك ، ومسرور بالذي أنت فيه ولذلك سيدنا علي يقول ” الحاسد يحزن للسرور ويفرح بالشرور” وقد قال العلماء ” العين تعرف من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من اعاديها”

وقدكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الشماتة فيقول  : {اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَدَرْكِ الشَّقَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ}. رواه البخاري. 

فاللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الاعداء

About Author