Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

ما الذي يربط الخزنوي بدمشق وأنقرة؟

شيخ الشهداء معشوق الخزنوي خلال اشعاله الشموع في كنيسة اوبسالا السويدية 2005

ماجد ع  محمد

31-05-2016

 

السؤال أعلاه ربما تجيب عنه الوقائع ومواقف زعيمي العاصمتين المذكورتين في العنوان، هذا إذا ما كان المعنيُ بالمقاربة خالياً من آثار الولاءِ المطلق أو العداءِ المسبق، وذلك باعتبار أن هذا السياسي يكاد يكون ذاكَ في بعض المواقف والمناسبات، لذا فحتى السياسي الذي يدَّعي الرحمانية بعد مراقبة تصرفاته سرعان ما تلقاه  قريباً في أساليبه من ذلك السياسي الذي فاحت روائح الشيطنة في دياره، الشيطنة التي غالباً ما يُحاربها المترحمنُ أمام جمهوره الذي عرفه من طينة الرحمانيين، وأدمنوا على وجوده بتلك الصورة الجميلة التي ترسخت لديهم بفضل المنابر التي يطل منها القيلُ، وكذلك بفضل الضخ الإعلامي المتكفل بتنقية صورته وإزاحة كل الشوائب عن صاحبها.

 

بما أن الحدث الراهن غالباً ما يجرنا إلى مقارنته بأحداثٍ مماثلة حصلت في أماكن أخرى، إذ ومن خلال التمعن يُلاحظ بأن مضمون التعاطي معها لا يختلف من زعيمٍ سياسي إلى آخر، وبما أننا ومنذ يومين كنا في الذكرى الحادية عشره لاستشهاد الشيخ محمد معشوق الخزنوي، سنحاول التركيز على جوانبَ مهمة من خطابه الذي لا يمكن معرفة الشيخ الراحل بدونها، ومن ثم إسقاط حالته كأحد مشايخ الدين الكرد في سوريا على وضع الكرد في تركيا، والأسلوب المماثل الذي يحاول اتباعه النظام في تركيا، بسبب حروبه المتواصلة مع حزب العمال الكردستاني، وكيف أن النظام البعثي التجأ إلى نفس الوسائل من خلال تعاطيه مع القضية الكردية ومشايخ الدين على حدٍ سواء.

 

إذ معروفٌ لدى أبناء الجزيرة أن من أهم الجوانب التي عمل عليها الشهيد الراحل محمد معشوق الخزنوي وفي فترة وجيزة جداً هو قدرته على تجسير الهوة في الشارع الكردي بين الحركة الكردية وعامة الناس وخاصة ذوي الخلفيات الدينية، حيث أن النظام حاول جاهداً فصل الفئات المتدينة أو التي لها خلفيات دينية في المجتمع الكردي عن الفئات العاملة في حقول السياسة عموماً والأحزاب الكردية بوجه الخصوص، إلا أن الراحل استطاع أن يوحد المجتمع من خلال خطابه الحضاري الذي كان جديداً بالنسبة للمتدينين، ومبهراً لدى السياسيين الذين تعودوا على رجال الدين بثقافاتهم التكفيرية والالغائية للآخر المختلف، فالشيخ الخزنوي أولاً لم يضع نسبه القومي تحت قدمه كرمى إرضاء الآخر عنه، كما فعلها الكثير من رجال الدين الكرد قبله، وثانياً رحب الشيخ بالمختلفين، وثالثاً تميز بميله الصريح للديمقراطية حيث كان من دُعاة فصل الدين عن الدولة، وهو ما كان ولا يزال مطلب معظم الأحزاب اليسارية في العالم الاسلامي، كما وقال الخزنوي مراراً أثناء خُطبه في جوامع قامشلو بأن “الذي يرى بأن حقوقه مهضومة في هذا المكان ـ أي في الجامع ـ فلا حرج عليه إن قصد مكاناً آخر يضمن له حقوقه ويحفظ كرامته” هذا من ناحية. 

 

ومن ناحيةٍ أخرى هي تلك الروح الثورية التي تحلى بها الراحل، والشجاعة التي امتاز بها بخلاف رجال الدين الذين عادة ما كانوا مقربين من الأنظمة، لكي لا يخسروا مواقعهم والفوائد التي تمطرعليهم من قبل السلطة جراء مدح السلطان والتطبيل له ولمشاريعه، بينما تخلى الشيخ عن الخيرات التي سُتدر عليه من السلطة الحاكمة في حال أعلن ولاءه للحاكم، ولم يبتعد عن توعية الناس وتشغيل ماكينة التساؤلات في عقولهم، وتحريض الشارع للوقوف بوجه الظلم والعدوان.

 

وما نود الإشارة إليه بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الشيخ الجليل هو الجانب الذي حاول النظام السوري جاهداً ومراراً العمل عليه، أي إعمال الشرخ بين فئات المجتمع الكردي من خلال رجال الدين، والمحاولات الشبيه التي يود الرئيس التركي رجب  طيب أردوغان اللجوء إليها اليوم، خاصة في حديثه يوم السبت والذي وصف خلاله المتمردين الأكراد “بأنهم كفار و زردشتيون”، فيبدو بأن الزردشتية تُعد بمثابة النقيصة لدى الرئيس التركي! والذي تساءل بطريقة يُشمُ منها نَفَس التحريض في خطابه بدياربكر، وقوله:”ألم يدمروا مساجدنا؟ وأن هؤلاء الناس كفار وزردشتيون وأن سلوكهم لا يتوافق مع قيمنا”، يا ترى ماذا يريد سيادته بهذا الكلام؟ فهل بوده كما فعل الأسد من قبل أي العمل على إحلال الشرخ في المجتمع الكردي المعروف بتخلفه وتدينه في تركيا؟ ألم يحاول السيد بشار الأسد أيضاً تحريض الشارع الكردي ضد بعضه ودق الأسافين بين رجال الدين وبين  الأحزاب الكردية؟ وهل يليق بمن يعتبر الأسد مُجرماً اللجوء إلى الوسيلة نفسها؟ حيث أضاف أردوغان في كلمته “لماذا لا نجرؤ على قول ذلك وشرحه لإخواننا الأكراد المؤمنين؟ إذا لم يضطلع إخواننا الأكراد المؤمنون والأتقياء والفاضلون بدورهم في هذا النضال حتى النهاية فسيكون الأمر صعبا” فيظهر بأن السيد رئيس الجمهورية أراد من خلال خطابه ذاك إقامة الفصل والفرز في المجتمع الكردي وتقسيمه إلى فسطاطين، فسطاط الايمان وفسطاط الكفر، وبتصوري هو الأسلوب اللائق بالحركات الاسلامية الراديكالية كالقاعدة وروافدها، ولا يناسب قط خطاب رئيس دولة علمانية مثل تركيا التي لها وزنها الكبير في الشرق الأوسط!

 

ولكن يبدو بأن إلتقاء الأهداف يجعل المختلفين كلياً يلجؤون إلى نفس الأساليب لتحقيق الغايات المماثلة، إذ أن الأسد كان يلجأ إلى حيَل دق الأسافين في المجتمع الكردي للتهرب من استحقاقات القضية الكردية في سوريا، واليوم بعد الخراب والدمار الذي لحق بالمدن الكردية مثل: نصيبين وبوطان وشرناخ وديار بكر عقب اندلاع القتال بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي في الفترة الأخيرة، وبدلاً من البحث عن أصل المشكلة وإيجاد الحلول القانونية لها وحلها بالطرق الإنسانية ووفق المواثيق والأعراف المتعارف عليها في العالم، يلجأ الرئيس التركي إلى عين الأساليب التأليبية التي لجأ إليها الأسد منذ سنوات في سوريا التي غدت أطلالاً بسبب استبداده وتعنته وحلوله العسكرية.

 

وفي النهاية ليس بوسعنا أمام الحلول الجهنمية التي يفكر بها زعماء المنطقة مع قضايا شعوبهم، وأمام الخطاب التكفيري لرجالات الآخرة في العالم الاسلامي، إلّا العمل ليس فقط على إحياء الذكرى السنوية للشيخ محمد معشوق الخزنوي، إنما السعي لإيجاد خطابات دينية مماثلة، تسير بموازاة خطابه الانساني الذي تجاوز مرارأً بنفحته الانسانية حتى الدين والمتدينين، والتطلع لأن يخرج مِن بين رجال الدين الكرد في تركيا نماذج تسير على خطى الخزنوي ونهجه، لا يكونوا توابع وأبواق للنظام، ولا أدوات بيد حزب العمال الكردستاني، إنما يكون تنوير العقول وإرشادها إلى طريق الحق والحقيقة والعدلِ هو الذي يعملون في دنياهم لأجله ويجاهدون في سبيله.

 

 

About Author