Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

شهيد كردستان الشيخ معشوق الخزنوي والدعوة إلى سيادة مملكة النور- د.آلان قادر

شيخ الشهداء معشوق الخزنوي

 
د.آلان قادر*
هناك في عالم السياسة  قاعدة ثابتة لم تتغيير أبدا،ولكن تعددت أساليب تطبيقها فقط ألا وهي:سعي الأنظمة التسلطية-الدكتاتورية والارهابية في كل زمان ومكان إلى التصفية الجسدية لخصومها السياسيين،بهدف القضاء على تلك الفكرة أو العقيدة التي يحملها هؤلاء ودفنها مع حاملها تحت الثرى.فهذه الأنظمة تعاني من فوبيا او خوف مستحكم من المتنورين والمثقفين،الذين ينيرون للشعوب الدروب والزوايا المظلمة،الحالكة ومساعدتها في التحرر من مخالب البطش والطغيان والعبودية.ولعل اختطاف وقتل المحامي،الكاتب وخطيب البلاغة الشهير في التاريخ تسيتسيرون [ 103-43 قبل الميلاد] خير مثال على ذلك: قرر عضوا مجلس الشيوخ الروماني أنطونيوس وأوكتافيان في العام 43 ق.م اختطاف وقتل الكاتب الجريء،لإنحيازه إلى جانب خصوم القيصرومعارضيه،الذي اغتيل بصورة غادرة ووحشية في مبنى مجلس الشيوخ على يد هؤلاء في سنة 44 ق.م.تؤكد مختلف الوثائق والمصادر التاريخية على لجوء القتلة،الذين أخذوا أوامرهم من أنطونيوس شخصيا إلى قطع رأس تسيتسيرون ويديه وأخذها إلى سيدهم وهي ماتزال دافئة.شعر أنطونيوس بالغبطة والسعادة من جراء ذلك وكانت زوجته فولفيا واقفة بجانبه،التي أخذت سكينا حادا وقطعت لسان الخطيب البارع.وبعد الإنتهاء من تلك المراسيم والطقوس البربرية وضع رأس تسيتسيرون المقطوع اللسان ويديه على منصة الخطابة في مجلس الشيوخ.تحمل الحادثة المذكورة في طياتها معنى عميق للغاية ودليل ذات مغزى لا يخفى على أحد.فعندما كان تسيتسيرون عضوا في مجلس الشيوخ وقف مرارا على تلك المنصة، يلقي خطبه المدعومة بالحجج والدلائل القانونية والمنطقية والبراهين القاطعة وبرباطة جأش وبلسان فصيح ضد أنطونيوس و القيصر وأنصاره.لم تشذ مختلف الآنظمة السورية الشوفينية والعنصرية، المتعاقبة عبى سدة الحكم في دمشق عن هذه القاعدة في التعامل مع السياسيين والمثقفين والكتاب ورجال الدين الكرد في غربي كردستان، وهاهي بعض الحقائق وهي على سبيل المثال وليس الحصر:
1- اغتيال الكاتب والشخصية السياسية والأجتماعية البارزة الأمير جلادت بدرخان في العام 1951  ونفي أخاه الأمير كامران إلى الخارج .
2- الحكم بالإعدام على المحامي والكاتب الكردي البارز د.عصمت شريف وانلي وتجريده من الجنسية السورية[ تعرض في العام 1976 في سويسرا إلى محاولة إغتيال من قبل المخابرات النازية العراقية]
3- اعتقال الكاتبين الكرديين البارزين أوصمان صبري[ آبو] ود.نورالدين زازا ومحاكمتهما بسبب دورهما الكبير في تأسيس الحزب الدميقراطي الكردستاني في سوريا وتجريدهما من الجنسية السورية.
4-اعتقال واغتيال الشخصيتين الكرديتين د.حميد سينو وبهجت محمد في اواسط السبعينات،عن طرق حقنهم بالأدوية التي جعلتهم يصابون بمختلف الأمراض، بما فيها الأمراض العقلية.
5- 1 حزيران 2005 اختطاف وقتل العالم الكردي والشخصية الدينية المرموقة د.محمد معشوق الخزنوي بطريقة في غاية الوحشية والسادية لا تختلف البتة عن تصفية الروماني تسيتسيرون.
شكل العلامة معشوق الخزنوي خطرا مزدوجا على نظام العفالقة الفاشي في دمشق:
أولا: موقفه الوطني الشجاع والجريء ووقوفه إلى جانب قضايا الشعب الكردي في غرب كردستان ونضاله البطولي من أجل حقوقه القومية المشروعة.ففي الوقت الذي كان هناك علماء دين كرد آخرون من أمثال :آل كفتارو ومحمد سعيد رمضان البوطي يرقصون على أنغام اوركسترا السلطة النازية في دمشق وسيمفونية الموت المعدة للكرد منذ أكثر من 50 سنة، وينحازون جهارا إلى جانب قتلة الشعب الكردي ويدعون إلى الجهاد ضد قوات التحالف التي حررت العراق وكردستان من أكثر الدكتاتوريات بربرية وهمجية في القرن الواحد والعشرين،انخرط الشهيد معشوق الخزنوي في النضال اليومي من أجل الجماهير الكردية المسحوقة والمحرومة من أبسط حقوق الإنسان والمسلوبة الكرامة  والمحشورة في زاوية حزام الفقر لإبادتها لاحقا وجعلها في خبر كان.لولا قرار أقطاب السلطة ومن الدكتاتور المجرم بشار الأسد شخصيا  وبتنفيذ من شقيقه المجرم ضد الإنسانية ماهر الأسد بتصفية الشيخ معشوق الخزنوي مع فكره الإنساني المنفتح الذي يحمله، لتحول الشهيد إلى مركز استقطاب ديني، سياسي  واجتماعي ومرجعية كردية ذات شأن،كفيلة ليس بتجميع الشتات الكردي فقط،بل القضاء أو على أقل تقدير تقزيم بعض التنظيمات والحركات السياسية المتخشبة التي أوجدتها استخبارات السلطة في المجتمع الكردستاني، بهدف تهميش الحركة القومية-الديمقراطية الكردية،التي أخذت منحى تصاعديا تحت تأثير انجازات شعبنا في جنوب كردستان، يستحيل وقفها أو اجهاضها.
ثانيا- أن تفسير وفهم الشيخ معشوق الديمقراطي والإنساني لبعض جوانب الإسلام : مثل الدعوة إلى ثقافة الحواروالتسامح في زمن العنف والتطرف والإرهاب الوهابي المنفلت من عقاله،المدعوم من السعودية والخليج،كفاحه العنيد من أجل السلم والوفاق الإجتماعي،الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل،الدفاع عن الزي الكردي للمرأة كأفضل وسيلة للإحتشام وعلاقته بالفلكلور والثقافة الكردية، نشاطه الدائم والمتواصل في إقامة جسور المحبة والحوار مع الطوائف المسيحية ودعوته للسياسيين الأوربيين لزيارة غرب كردستان، لتعريفهم بمعاناة وآلام الكرد، نبذ العنف والتطرف الديني، وضعت بداية ناجحة لمدرسة كردية في الاسلام تأخذ جذورها من التاريخ السحيق لشعب كردستان،أي فترة ما قبل الإسلام عندما كان أجدادنا الميديين يعتنقون الزردشتية المعروفة بالتسامح والحوار السلمي واحترام معتقدات وشعائر الأخرين وليس توظيف الدين لمآرب استعمارية وتوسعية.هذه الأسباب مجتمعة جعلت من الشيخ الجليل شوكة في أعين السلطة الاستبدادية وخطرا ماثلا على وجودها اللاشرعي أصلا،لذا كان القرار الإجرامي بالتخلص منه وإبادته قبل استفحال الخطر على هذه الطغمة الحاقدة على شعب كردستان.عندما كان الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي في السويد،قام بزيارة إحدى الكنائس وأشعل شمعة كدليل على المحبة والحوار بين الأديان والرسالات السماوية،لأنها وجدت من اجل الإنسان وليس العكس.يذكرنا الطابع الرمزي العميق  لتلك الزيارة ومدلولاتها،ناهيك عن سيرة حياته المفعمة بالنشاط الفكري الخلاق في سبيل السمو الروحي والأخلاقي للإنسان، بإعتقال ومقتل الفيلوسوف والعالم الديني الكردستاني الفذ،صاحب مدرسة الإشراق شهاب الدين سهراوردي، الذي مزج بين التعاليم الزردشتية و فلسفة أفلاطون وغيره من فلاسفة اليونان،في العام 1191 في حلب وبأمر مباشر من الملك مالك الظاهر نجل السلطان صلاح الدين الأيوبي،بسبب عقيدته وأفكاره المتنورة جدا،التي سبقت عصره وكانت مغايرة إلى حد كبير لمصالح ومذهب  الفئة الحاكمة.فالعالم الخالد شهاب الدين سهراوردي شأنه في ذلك شأن  الشهيد معشوق الخزنوي،الذي حاول جاهدا نشر تعاليم النور والآلفة بين بني البشر،قال عبارتح المجنحة والأبدية: لقد دعا زردشت إلى سيادة مملكة النور.لقد أخطأت السلطة الديكتاتورية جدا بتصفيتها للشيخ الوقور،فقد تحول شيخنا إلى رمز قومي وفكري للكردستانيين وأفكاره الخلاقة والإنسانية تعيش في كل كردي نظرا لخصوصيات المجتمع الكردستاني الذي يرفض اسلوب الغاء الآخروالدعوة إلى التسامح والحوار السلمي.ولذا نقترح على الفعاليات الكردستانية، الإجتماعية منها والسياسية الأمور التالية:
1- تخصيص  تاريخ 1 حزيران من كل عام لإحياء ذكرى الشهيد معشوق الخزنوي مع تنظيم نشاطات وندوات فكرية وسياسية في الوطن والمهجر والدعوة إلى مسيرات احتجاجية ضد السلطة الإرهابية.
2- عملية اختطاف وقتل الشيخ بهذه الصورة الهمجية تندرج في إطار إرهاب الدولة المحظور في القانون الدولي،ومن هنا الإصرار على اجراء تحقيق دولي لمحاكمة القتلة والمجرمين في محكمة دولية عادلة وتحت الفصل السابع بالضبط من ميثاق الأمم المتحدة على غرار محكمة رفيق الحريري.
3- تحويل قبر الشيخ الخزنوي إلى مزار ومتحف رسمي مع مكتبة تضم مؤلفاته ونتاجاته وتوزيع شهادات تقدير وأوسمة تحمل اسمه الجليل.ونود اختتام هذا المقال بقول ذات معنى بليغ جدا للشاعر والكاتب الألماني غوته حيث قال: من يملك العلم والفن،فهو يملك الدين أيضا ومن لا يملك هذا أو ذاك لايملك الدين أيضا.
 
==============
•        حقوقي وكاتب كردستاني .

About Author