Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

المخدرات المعنوية في مجال التصوف – الجزء الثاني

المخدرات في مجال التصوف الجزء الثاني

الجزء الرابع من سلسلة المخدرات المعنوية

خطبة لشيخ الشهداء الدكتور محمد معشوق الخزنوي

خطبة في جامع الصحابي سلمان الفارسي بحي قناة السويس – قامشلو 

تفريغ : عبد الرحمن احمد – مراجعة مركز احياء السنة ( مكتب الشهيد الخزنوي )

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد :

مع المخدرات المعنوية في لقاء جديد ، ومع المخدرات في مجال التربية والتهذيب والتزكية والتصوف في حلقة ثانية ، نعم مع المخدرات من جديد ، إذ كنا قد تحدثنا في الجمعة الماضية عن بعض المخدرات في مجال التصوف ، والتي عددنا من جملتها.

 أولاً : وضع الشيخ موضع الله في التصرف .

وثانياً : حب الشيخ كحب الله ، أو اشد من حب الله .

وثالثاً : الدوران في فلك الشيخ دعاء ، واستغاثة ، واستمداداً ، وطلباً ، وخوفاً ، ورجاء ، ورغبة ورهبة ، بل حتى قدسية في نهاية المطاف ، حيث لا يحلف هذا المريد المغسول دماغه ، المخدر إلا بالشيخ ، أو قبره ، أو رأسه متناسياً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : (( منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ – في رواية – فقد كَفَر)) ( رواه الترمذي واحمد وابو داود عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما) .

وكل ذلك تمهيداً للوصول إلى الجرعة التخديرية النهائية ، وهي الطاعة العمياء للشيخ ، وهذا ما نتحدث عنه اليوم ، وهي الجرعة التي كانت القاضية ، أما الجرعات السابقة فقد كانت مجرد وسائل ، وتمهيدات ، ومبادئ لإيصال المريد إلى الحد الذي يمكن أن يتقبل هذه الجرعة ، وأعني بها جرعة [ لا تعترض فتنطرد ] نعم إنها جرعة [ اتبعني ولا تسألني ] وجرعة [كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل ] وجرعة [ دع عقلك وعلمك في الدار والحقني ] إلى غير ذلك من القواعد التي أصبحت تعرفه بالبديهة في كثير من المجتمعات الصوفية المنحرفة ، هذه المجتمعات التي تطمس فيها بصيرة المريد ، ويختم على حواسه بالشمع الاحمر ، فيمنع من استعماله ، واستخدامها ، وترك كل قاعدة علمية أو مبدأ خلقي ، بل ترك كل آية أو سنة جانباً ، والاكتفاء بالنوم في أحضان الشيخ كالميت بين يدي الغاسل ، وإن شئت فقل كانسان يحرك بجهاز التحكم عن بعد دون إرادة داخلية ، أو محاكمة عقلية ، أو وقوف عند نص من كتاب أو سنة ، فالشيخ هو الدليل ، والشيخ هو البرهان ، والشيخ هو النص ، والشيخ هو الآية والسنة والحديث و، كل ما يخالف الشيخ من هذه الأشياء يعرض عنها ويلتجأ الى الشيخ فالسلامة معه ، ولو لا أن تكون هناك حكمة خفية عنا ، ودليلاً غير ظاهر لنا بل انكشف فقط لذوي البصائر والقلوب أمثال الشيخ لما خالف الشيخ هذه النصوص ، متناسياً أن الشيخ بشر يصيب ويخطئ ، ويطيع ويعصي ، والنص حجة عليه وهو ليس بحجة على النص ، وعصمتنا وعصمة الشيخ في الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وضلال الشيخ وضلالنا في الإعراض عن الكتاب والسنة .

 

ويستشهدون في تمرير هذه الجرعة التخديرية بعد التمهيد لها بتلك الجرعات السابقة ، ويستعينون في تسويقها في المجتمع بقصص من الخيال يعينون لها أبطالاً من خيرة الناس كذباً عليهم ، وزوراً ،  وتلفيقاً من أجل تمرير باطلهم ، وتسويق مخدرهم ، ومن هذه القصص أنهم يقولون أن الشيخ عبد القادر الجيلاني أمر في ليلة ما أحد مريديه بأن يذهب الى دار أبيه ويقتله ، والمريد كان صادقاً مخلصاً ، فذهب إلى دار أبيه فوجد أمه مع رجل في الفراش ، فأجهز على الرجل ظناً منه أنه أباه امتثالاً لأمر الشيخ ، وعاد إلى الشيخ مخبراً إياه بتنفيذ المهمة ، فشكره الشيخ وأثنى على إخلاصه وطاعته ، في الصباح فوجئ الرجل بأن والده حي لأنه كان مسافراً ، ولم يقتل وأن الذي قتله الولد في الظلام إلى جانب فراش أمه ضاناً أنه أباه لم يكن إلا مجرماً ، وضجيعاً لأمه بالحرام فنال جزائه ، وهكذا يكون المخلصون ، وهكذا تظهر حقيق أمر الشيخ الذي كان في الظاهر حراماً ومنكراً لكنه في الباطن كان ثمهة سراً وحكمة دفعته إلى ذلك ، ويثبت صواب أمره.

 

 ويذكرون قصة أخرى ، ولا أريد أن اكثر من القصص ، لكن هذه القصة وتلك ترددان كثيراً في مجتمعنا ، ويتاجر المخدِرون بها ، ويتلقفها المخدَرون ويتقبلونها وكأنها حقيقة لا تقبل النقاش ، ولما لهما من أثار سلبية ، بل لما لأبطالهما من مكانة حقيقية في قلوب المسلمين في مجتمع الجزيرة بكردها وعربها ، أريد أن أذكر القصة الثانية وهي تشبه تلك ، حيث يقولون أن الشيخ محمد بهاء الدين البخاري المعروف بشاه نقشبد وهو شيخ الطريقة النقشبندية ، وفي مرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني بالنسبة للقادرية ، يقولون أن الشيخ النقشبند أمر اتباعه بأن يذهبوا إلى دار من دور اتباعه فيسرقوا كل متاعه ، وبالفعل ولأن الاتباع مخلصون ، ولأنهم يعتقدون أن الشيخ معصوم لا يخطئ ، ولذلك فإن أمره يجب أن ينفذ ، بادر الاتباع فسرقوا أمتعة الرجل في أول الليل ، وفي آخر الليل جاءت عصابة مجرمة إلى القرية وقصدت دار ذاك المريد لتسرق متاعه ، فنقبت داره وحين دخلته فوجئت بالدار فارغة خاوية على عروشها ، ليس فيها شيء فغادروا الدار صفر اليدين ، وفي الصباح جاء المريد يستغيث بالشيخ ويشكوه بأن الدار قد سرقت ، فطمأنه بأن متاعه في الزاوية محفوظ عند الاتباع الذين نفذوا تعليمات الشيخ الذي يعرف خفايا الأمور فانقذوا متاع الرجل قبل أن تأتي العصابة لتنهبها ، فشكر الجميع الشيخ ، وعلموا أن طاعته واجبة ، حتى ولو لم يقبل ذلك ظاهر الشرع ، فإن ثمت سراً عميقاً يعرفه أهل الله وأحبائه ونجهله نحن ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .

 

وحاشا هذين العالمين الجليلين اللذين هما من فضلاء دعاة زمانهم ، وشهد لهم المئات من معاصريهم بالاستقامة واتباع السنة وقمع البدعة ، نعم وإن كانت العصمة للأنبياء وحدهم ، لكن تواترت الأخبار عن سير هذين الرجلين الجيلاني والنقشبندي تنزههما عن مثل هذه المواقف السافلة ، فحاشاهما أن يأمرا جماعتهما بالمنكر تحت أي مبرر ، وأن يرضوا به على أقل تقدير.

 

 تعال وحكم عقلك ، كيف يأمر الشيخ عبد القادر الجيلاني بقتل نفس معصومة حرم الله قتلها؟ ، وكيف يثبت جريمة على شخصين ليس له عليهما أربعة شهود في حالة الزنا ؟ ، وكيف ينفذ حكماً ما أناطه الشرع الحكيم إلا بالحاكم لا بالشيخ ؟، ثم كيف ينفذ الحد بالرجل دون المرأة التي هي أم قاتل الرجل ؟ ، ثم كيف يأمر مريداً بقتل رجل والمريد يعلم يقيناً أنه والده لا رجل غريب كما ظهر ؟ ، ومجرد الحرص على قتل امرئ عدواناً هو قتل كما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا الْتقى المسلمان بسيفَيهما ، فقتل أحدُهما صاحبَه ، فالقاتلُ و المقتولُ في النَّارِ قيل : يا رسولَ اللهِ هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ ؟ قال : إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِه) ، ثم كيف يفضح امرأة حتى لو ارتكبت معصية ، ولما لا يسترها ؟ ، فكل هذا ليس من شأن عالم مربي كالجيلاني ، لكن المستغلين وصيادي العوام يختلقون .

 

 وكذلك كيف يأمر الشيخ النقشبند بالسرقة ؟ ، وكيف يرضى لجماعته السرقة ؟ ، وكيف تقدم جماعة إسلامية  على السرقة دون السؤال عن أسباب ودوافع الجريمة ؟ ، ولما لا يبوح لهم بالسر إن كان الله قد اطلعه على هذه الجزئية من العلم ؟ ، ولما لا يأمرهم بحماية دار فلان وحراسة متاعه منعاً للقراصنة ؟ ، أو على الأقل لما لا يأمرهم بجلب امتعته حماية لها بدل أن يأمرهم بسرقتها ؟ ، وما الضرورة في أن يقول اذهبوا فانقبوا دار فلان واسرقوا متاعه ؟ ، وما هي الفوائد التي تترتب على ذلك؟ ،  واخيراً هل تسألنا ما هي الاضرار التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الصلاحيات المطلقة التي تمنح لرجل ؟ ، سبحان ربي هذا بهتان عظيم .

 

في حق هذين الرجلين الجليلين الذي لا يتورع المخدِرون عن الكذب عليهما ، واستغلال المخدررين باسمهما ، واختلاق القصص لتمرير باطلهم تحت توقيعهما ، وهم منهم براء ، والاكثر من هذا أن هؤلاء المخدرين يزيدون الطين بلهة حين يحرفون الكلمة عن مواضعه ، ويتلاعبون بالالفاظ التي تخلط المعاني على العوام إذ تجدهم يستشهدون على باطلهم هذا بقصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح [ الخضر ] ، لأن العوام لا يدركون الفوارق الكبيرة بين هذه وتلك ، فقبل كل شيء لا يوجد شاهد في حادثة سيدنا موسى عليه السلام تؤيد خرافتهم  ، إذ أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكن ليسكت ، ولا سكت على مخالفة واحدة لا يقبلها ظاهر شريعته ، وفي كل مرة من المرات الثلاث كان يعترض ، علماً أن الذي يخالف ظاهر شريعة موسى عليه السلام  هو رجل يحمل شهادة من الله ، هو العبد الصالح [ الخضر ] الذي زكاه الله بقوله : ( وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ) [ سورة الكهف : 65 ] ومع علم موسى عليه السلام بأن هذا الرجل مرتبط بالله بخط ساخن كما يقال ، ويتحرك بأمره فقد اعترض موسى  عليه السلام لمجرد أن أحكام شريعته الظاهرة لا تتقبل مثل هذه الاعمال ، فمن من المشايخ والمربيين يحمل هذه الشهادة التي كان يحملها الخضر ، وأعني بها شهادة [ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا] بالتأكيد لا يوجد مربي يحملها.

 

 وثانياً :  لم يكن العبد الصالح [ الخضر ] من اتباع موسى عليه السلام ، وبالتالي لم يكن ملزماً بشريعة موسى عليه السلام في عصر كان الأنبياء يتعددون ، والشرائع تتنوع حسب الزمان والمكان والاشخاص والاقوام المدعوين إلى هذه الشريعة أو تلك ، إضافه إلى أن سيدنا الخضر كان ينفذ خطة رسمها الله له كما أشار إلى مبررات عمله ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) [ سورة الكهف : 82 ]، فمن من الذين يرتكبون مخالفات شرعية يستطيع أن يزعم أن الله سبحانه رسم له خطة خاصة وخارج عن دائرة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو على علم خاص من الله سبحانه ولذلك من حقهم أن يمارس ويأمر بعيداً عن نهج محمد صلى الله عليه وسلم معاذ الله .

 

وثالثاً :  يلاحظ أن الخضر كان يمارس وينفذ الخطة بنفسه ، ولم يكلف موسى بشيء من الخطة إلا ما كان إصلاحاً بحق وخالصا كإعمار الجدار ، لأن سيدنا موسى عليه السلام لا ينفذ إلا ما هو من شريعته التي أوحاها الله إليه والتي لا تقر هذه التصرفات ، بل حتى حين مارسها الخضر بعد علم خاص من لدن الله لم يكن سيدنا موسى عليه السلام يقر أو يغض النظر عنه ، بل كان يقدم الشريعة على كل شيء ، ويعترض في كل مرة حتى أن الاعتراض الثالث قد كلفه ترك الصحبة ، أي أنه ترك الصحبة ولم يسكت ( قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) [ سورة الكهف : 78 ].

 

فكيف يطلبون من خلال هذه القصة أن نسكت على المنكر بحجة أنهم على علم من الله غير الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبحان ربي هذا بهتان عظيم .

إن قصة موسى مع العبد الصالح [ الخضر ] كلها دليل على أن أتباع الرسل لا يعرفون إلا الشرع ، ولا يحتكمون إلا للشرع ، فإذا بدر تصرف يخالف الشرع من أحد ما ، حتى من رجل ثقة صالح شهد الله له بأنه علمه من لدنه علماً حتى هذا الرجل يعترض عليه ولا يسكت على منكره ،  فلا سلامة في النهاية إلا في الشرع ، ولا عصمة إلا في الالتزام بأمر الله ، ولا نجاه الا بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاسلام لا يرضى إلا أن نكون رجالاً يقظين نحكم العقل بعد الوحي ، ونقارن الاشياء ببعضها ، ولم يرد أن يكون الواحد معه يحسن إن أحسن مقلده ويسيء إن أساء مقلده .

 

وقد كان سلفنا الصالح القمة في اليقظة مع مربيهم ، حتى مع أنبيائهم الذين يعلمون أنهم معصومون ولا يخطئون ، ومرتبطون بوحي السماء ، فهذه سيدتنا هاجر يوم تركها سيدنا ابراهيم هي وابنها اسماعيل عليهم السلام في واد غير ذي زرع ، اعترضت ولكن بادب ، قالت يا ابراهيم آلله أمرك بهذا ، لم تقل مثل ما نقول الشيخ يعلم ، أو اعلم ، ولم يقل لها ابراهيم لا تعترضي فتنطردي ، لقد تعلمت هاجر الحكمة والفطنة في مدرسة الانبياء الذين علموا اتباعهم أن يستعملوا عقولهم ، ويحتكموا إلى الله في كل شيء ، لذلك قالت آلله أمرك بهذا ، قال : نعم ، قالت : اذهب فلم يضيعنا الله .

 

وفي معركه بدر أنزل النبي صلى الله عليه وسلم الجيش في مكان غير لائق عسكرياً ، فلم يقل أصحابه النبي أعلم ، بل تقدموا يعترضون بكل أدب وسكينة ، وهم غاضوا الطرف والصوت كأن على رؤوسهم الطير يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة  ، قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة ،  فقالوا : ليس هذا منزل يا رسول الله إنما المنزل هناك على الماء نستسقي ولا يستسقي أعدائنا ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رأيهم واستجاب لفكرتهم ، ولم يقل لهم لا تعترضوا فتنطردوا ، وبعد كل هذا فهل عرفتم كيف يتعامل المسلم مع مربيه ، وهل هو مغسول دماغه جاهل غبي معة يردد ما يقوله الأخرون ، أم هو ذكي فطن يتصرف بعقله وحكمته .

About Author