Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

القلب السقيم – الحلقة 14 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي

الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

السيدات والسادة الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ومرحبا بكم في لقاء جديد ، متذللين لله ومتضرعين له، راجين أن يرزقنا جميعاً قلباً سليماً ، فأغلى شيء تمتلكه هو قلبك ، فهو الملك على سائر الجوارح ، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

 قلبك هو مستشارك الذي تستشيره في قراراتك ، وتستفتيه في دينك ، الإمام أحمد يروي عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ،  فَقَالَ نَعَمْ  ، فَجَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) .

وقلبك هو الذي تقدم به على الله يوم القيامة فينظر فيه (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

نحن في اللقاءات السابقة تحدثنا عن القلب السليم الذي هو قلب الأنبياء  والرسل ، والذي من المفترض أن يكون  قلب  المؤمن ، اليوم نستكمل في التعرف على النوع الثاني من أنواع القلوب ، القلب المريض السقيم .

فالقلوب كالأجسام تمرض كما تمرض الاجسام ، وقد تشفى من مرضها وقد تموت ، تمام كما تشفى الاجسام و تموت .

نعم القلوب تمرض ، ويصيبها من الأمراض والأوجاع ما يصيب عضلة القلب الحسية ، قال المولى عز وجل عن صنف من الناس : (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) [ البقرة 10 ] ، وكما يتعهد الناس أجسامهم بالحمية والتطييب ، فالمسلم مطالب دوما بأن يتعهد قلبه ، ويحميها من الاخطار والأوبئة والأمراض ، الإمام البيهقي يروي عن عبدالله ابن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : { إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد }.

مؤلم أننا في زمن أهمل الناس قلوبهم ونفوسهم وأرواحهم ،  واشتغلوا بأبدانهم ودنياهم ، بل أظنكم توافقونني إذا قلت أننا في زمن عناية أهله بأحذيتهم تفوق عنايتهم بقلوبهم ، وحقاً أيها الاخوة لو كان للناس اليوم من العناية بقلوبهم ما لهم من العناية بتلك الاحذية لأصبحوا من أكابر الأولياء في زمن وجيز ، فإنا نراهم لا يطيقون أن يروا على تلك الاحذية القليل من الغبار ، ولهم يومياً إجراءات في تنظيفها وتلميعها حتى يدعها أشبه بقطع الزجاج الصافية في لمعانها وبريقها ، إن عملية تلميع الحذاء منهم عمل يومي بل ربما تكرر في اليوم الواحد مرتين ومرات ، ومن منا بالله عليكم من يلتفت الى قلبه مرة كل يوم ينظر هل به شيء من الامراض أو هل به شيء من الادران .

فما هو القلب المريض ؟ الصحابي الجليل حذيفة بن اليماني رضي الله عنه  يعرف لنا القلب المريض ويوصفه لنا فيقول :  أنه قلب به مادتان، مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما

أي هو قلب  يه بذرة الإيمان لكن به علة ، مثقل بمرض الشهوات أو الشبهات أو بهما معاً ، وعلى حسب العلل يعرف درجة مرض هذا القلب .

فهو يعلو حينا ويهبط حينا ، وهو إن غلب عليه مرضه ونفاقه التحق بالميت القاسى ، وإن غلبت عليه صحته وإيمانه التحق بالقلب السليم .

وهذا قلب عامة المسلمين ، وخطورة هذا القلب وأهميته تتمثَّل في أن الشيطان لا يقرب القلب القاسي الميت فهذا لا مطمع له فيه، يعني قلب ميت خلاص ابتعد الحق انتهى مهمة ابليس معه لا مطمع له فيه  ،في المقابل  لا يستطيع أن يقرب القلب الحي وإلا احترق ، إنما يهاجم القلوب المريضة.

القلب المريض هو محل الشغل ، هو الذي عليه الجهد إما أن الإنسان يرتقي به فيصبح من أصحاب القلوب السليمة ، وإما أن يهبط به والعياذ بالله فيصبح من أصحاب القلوب الميتة .

نحن سيكون لنا لقاءات مع أمراض القلوب وعلاجاتها خلال اللقاءات القادمة ، لكن بداية مهمة التعرف على حال القلب ، نحتاج الى معرفة أعراض مرض القلب ، كيف أعرف أن قلبي مريض ويحتاج الى تعهد وعلاج ، الحقيقة أن علامات وأعرض مرض القلب كثيرة ، لكن اختصر لك اربعة هي من أهم ما يعرف به مرض القلب .

العلامة الأولى : استصغار الذنوب ، ما منا من يسلم من الذنوب ، حتى صاحب القلب السليم قد يقع في الذنب ، لكن المصيبة العظمى والكارثة الحقيقة حين لا يشعر القلب بعظم الذنب ، لذلك يقول العلماء: لا تستصغر الذنب، ولكن انظر إلى عظم من تعصيه.

القلب السليم إن وقع في الذنب تؤلمه الذنوب والمعاصي ، بينما القلب المريض لا يستشعر ذلك ، بل والأدهى ان يستلذ بمعصيته .

الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود يشرح ويبينه هذا الامر كما يروي الامام الترمذي عنه : إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار .

العلامة الثانية من علامات مرض القلب : ان ينظر للخلق باحتقار

الانسان عندما يكون صاحب قلب سليما ، كلما وافقته نعمة من الله ازداد تواضعا بيد يدي الله و، خشوعا بين بيد مولاه ، وشكره ، ومن شكر النعمة تواضعه للخلق وبذله للخلق ، وعندما يكون القلب مريضا يستقبل نعمة الله عليه وكرمه وفضله عليه بالتعالي على الخلق وازدرائهم ، وهذه النظرة كافية لإهلاك الانسان وإحباط عمله ، الامام البخاري ومسلم يرويان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ } .

وهي اخلاق الطغاة والجبابرة ، اسمع ماذا قال فرعون عن سيدنا موسى عليه السلام لقومه ) :أَمْ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) (الزخرف – 52) .

العلامة الثالثة ضيق الصدر عند رؤية النعم في أيدي الاخرين : القلب السليم منشرح مطمئن ، يفرح عندما يرى الناس فرحين ، لكن صاحب القلب المريض يشعر بضيق من النعمة في ايدي الاخرين ، يشعر بعدم وفرة الارزاق من الله ، والذي يعرف في التربية والسلوك باسم الحسد ، والحسد ما اهلك إلا قلب صاحبه .

ولذلك قيل الحسد يأكل الحاسد كما يأكل الصدأ الحديد، والهنود عندهم مثل يقولون فيه : حسد الحاسد هو عقابه الشخصي .

العلامة الرابعة الفرح لفضيحة الناس : صاحب القلب السليم لا يفرح لفضيحة الناس ، لأن الفضيحة تصيب أحد من اثين ، أما رجل فاضل فصاحب القلب السليم يتألم لمصابه ، وإن استطاع أن يدافع عنه فعل ، أو يصيب رجل جباراً ظالماً فاسقاً كذلك لا يفرح القلب السليم بل يأخذ العبرة منه ، فعندما تجد قلبك يفرح لفضيحة الاخرين فاعلم أن قلبك مريض ،

مما رواه الامام مالك عن سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام قوله : { لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب ، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإن الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية}  .

هذا ميزان ومقياس نستطيع من خلاله أن نقيس قلوبنا ،  إن وجدنا في القلب استصغار للذنب واستحقارا للخلق وضيقا في الصدر بما ياتي الناس من خير وفرحا بما ياتي من مصائب فانت صاحب قلب مريض