السيدات والسادة الكرام – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ومرحبا بكم في لقاء جديد ، نحن مقبلين على أيام خير وبركة ، من أجل ذلك نخرج اليوم قليلا عن سلسلة مواضيعنا عن القلب وأمراضه ، لنتحدث الليلة عن ايام الخير التي نحن مقبلين عليها .
نحن في أهم عشرة أيام في السنة كلها ، أيام مباركة وطيبة ، وتعد من أعظم وأكبر نعم المولى علينا ، ونعمه علينا كثيرة لا تعدُّ ولا تحصى ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [سورة إبراهيم.
ومن نعمة الله أنه يمتعنا بالمواسم الطيبة المباركة من أجل تنظيف القلوب ، والوصول الى حضرة الرب بوجوه مبيضة .
ابقاك الله بأن بلغك رمضان لأنه يحبك ، وأراد لك أن تصل موسم الخير ليغفر لك ، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)) .
الإمام الغزالي يقول : إذا أحب الله عبدا استعمله في الاوقات الفاضلة في الاعمال الفاضلة .
وفي رمضان قيامك للياليها سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وصومك لأيام رمضان سبب آخر لمغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات ، أيضا روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وهذه الليالي العشر التي نحن مقبلين عليها اعتباراً من الليلة ، هي الخلاصة . هي خلاصة الخلاصة . الزبدة
المولى عز وجل خلق الأيام والليالي ، واصطفى منها ها شهر رمضان خلاصة لأيام وليالي السنة ، ثم اصطفى رمضان وجعل خلاصتها في هذه الأيام والليالي العشر الآواخر رمضان ، وخلاصة هذه العشر تكون في الليالي الفردية التي قد تكون فيها ليلة القدر .
هذه الليالي المباركة تبدأ من ليلة الحادي والعشرين ، وتنتهي بخروج رمضان ، سواء أكان ناقصا (29 يوما) أو تاما (30 يوما)، فإن نقص الشهر فهي تسع ليال.
هذه الأيام سواء كانت تسعة أو عشرة ، هي الفرصة الآخيرة لنا ، إن فاتك ما مضى من الشهر ، فها هي الفرصة لتبدأ مساراً جديدً يغفر الله بها ذنبك ، ويعتقك من النيران ، والشقي من لم يشمله الهبة الربانية وذلك الخسران المبين ، فقد روى الترمذي والحاكم واحمد والبخاري في الادب المفرد عن جابر بن عبدالله – رضِي الله عنهما – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – رَقِي المنبر، فلمَّا رَقِي الدرجة الأولى قال: ((آمين))، ثم رَقِي الثانية فقال: ((آمين))، ثم رَقِي الثالثة فقال: ((آمين))، فقالوا: يا رسول الله، سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات؟ قال: ((لَمَّا رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل – صلى الله عليه وسلم – فقال: شَقِي عبدٌ أدرك رمضان فانسَلَخ منه ولم يُغفَر له، فقلت: آمين، ثم قال: شَقِي عبدٌ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُدخِلاه الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: شَقِي عبدٌ ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك، فقلت: آمين)).
من أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرض على هذه العشر ، و يخصها بعناية كبيرة ، ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها من العبادة والحرص على فعل الخير ، فقد ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: { كان رسول الله إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله } ،
“شد مئزره”: كناية عن الاستعداد للعبادة، والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع، وهذا هو الأقرب، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم سفيان الثوري.
وقولها “أحيا الليل”: أي استغرق معظمه وكان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهرًا كاملاً قط غير رمضان .
وقولها:”وأيقظ أهله” أي: أيقظ أزواجه للقيام والذكر والدعاء، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة، لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة ، وقد بلغ من حرصه صلى الله عليه وسلم على هذه الأيام المباركات أنه كان يطرق الباب على فاطمة وعلياً ليلاً كما ورد في الصحيحن فيقول لهما: { ألا تقومان فُتصليان } .
وقد روى المروذي عن أم سلمة قالت: “لم يكن صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً يطيق القيام إلا أقامه“.
وحتى نساعد بعضنا في وضع جدول لهذه الليالي ونستغلها
1- التوبة من الذنوب ، وحتى لو كنت تظن نفسك ان هذا الخطاب ليس لك، أول اعمال هذه العشر تجديد التوبة لله عز وجل عن ذنوب فعلناها ونحن نعلم ونشعر ، والتوبة من ذنوب فعلناها من دون حتى ان نعلم بها أو نشعر بها .
هذه بداية التغيير ، فالله يناديك ايها العاصي ، وكلنا ذلك الرجل ، الله يناديك ايها الغافل عن الله ، المنتهك لحرماته ، الله يناديك ، توقف لحظة وافهم بقلبك وعقلك نداء الله ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53].
ويفوِّت الله على الشيطان حيله بقوله: جَمِيعاً ، حتى لا يأتيك الشيطان فيقول: أيها العاصي المسرف! مِن أي ذنـب تتوب؟! فقـد فعلتَ.. وفعلتَ.. وفعلتَ، الله يقـول: لا إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
في الحديث القدسي يقول: (ابن آدم، لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنـي لا تشرك بي شيئاً جئتك بقرابها مغفرة، ولو بَلَغَت ذنوبُك عنان السماء) .
2- الاعتكاف: هي إحدى أهم أعمال هذه العشر وهو عبادة من أجل الأعمال الصالحات المستحبة في العشر الأواخر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ” لكن هذه العبادة وفي ظل الظروف التي يعيشها العالم بسبب ازمة فيروس كرونا لابد ان تكون تحت اشراف واعتقد أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ هذه الشعيرة وفق لما يراه المسئولون والمختصون فلا تقلقوا فالله يعلم بنوايا قلوبكم وإن علم أن بها خير فابشر فقد كتب لكم اجور تلك العبادة .
3- تلاوة القرآن: فرمضان هو شهر القرآن والإكثار من قراءته بتدبر وخشوع، قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فينبغي استغلال أوقاته لا سيما العشره الأخيرة في التفرغ لمدارسته ومذاكرته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل عليه السلام القرآن في كل يوم من أيام رمضان.
4- الإنفاق في سبيل الله: انظروا من حولكم كم من بيوتات تبيت على بطون خاوية ، انظر من حولك بتمعن كم من انسان فقد عمله بسبب الكرون ، او بسبب اللجوء والعيش تحت خيمة ، او بسبب الحصار والحرب ، يتحسر قلبه وتدمع عينه ، وهي ينظر الى اطفاله ، الى بنيه ولا يستطيع ان يفعل لهم شيئاً ، هنا يختبر الايمان ، وهنا يختبر توبتك ، وهنا يختبر انسانيتك لتجود في كل يوم ولو باليسير فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ“.
ولا تظن أنك تستحق الشكر بل هؤلاء الفقراء والمساكين ، أصحاب البطون الجوعى هم من يستحقون الشكر منك لأنهم هم الشركة الوحيد التي تستطيع الشحن الى الآخرة ، هم الشركة الوحيدة التي تستطيع أن تأخذ أموالك لشحنها لك الى الآخرة ، تلقاها أمامك ، لا يوجد على وجه الارض شركة تستطيع فعل ذلك لك إلا هم .
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فقال : { مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا}
الامام ابن حجر العسقلاني في كتابه العجاب في بيان الاسباب – اسباب النزول ، يذكر أن سبب نزوله قول المولى عزوجل : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) سورة البقرة 245 .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين أصحابه فقال : { من تصدق بصدقة ، فله مثلاها في الجنة } . من بين الجالسين صحابي جليل اسمه كنيته ابو الدحداح ، يسمع هذا العرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثبت في قلبه ، فقال يا رسول الله، إن لي حديقتين ، إن تصدقت بحديقتي فإن لي مثليها في الجنة ؟
قال : نعم . قال : وأم الدحداح معي . قال : نعم. قال : والصبية معي ؟ قال : نعم .
فتصدق بإحدى حديقتيه، ورجع فنادى على زوجته قائلاً : يا أم الدحداح. قالت : لبيك يا أبا الدحداح.
قال : إني جعلت حديقتي هذه صدقة ، واشتريت مثليها في الجنة ، وأنت معي، والصبية معي.
قالت : بارك الله فيما اشتريت .
الصدقة سببٌ في دعاء الملائكة للإنسان أن يزيد الله تعالى في ماله ، وأن يُبارك له في رزقه فقد روى البُخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا ” .
– والصدقة تُطفئ الخطيئة لما صحَّ في سنن الترمذي عن كعب بن عُجرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ” .
– ومن منافع الصدقة أن المتصدق يستظل في ظل صدقته يوم القيامة لما جاء في المعجم الكبير عن عقبة بن عامر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” .. و إنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته ” .
المقالات المشابهة
وإنك لعلى خلق عظيم – خطبة للدكتور مرشد معشوق الخزنوي
البهتان – الحلقة 24 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي
الطمع – الحلقة 23- الشيخ مرشد معشوق الخزنوي