الاخوة والأخوات الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ومرحبا بكم في لقاء جديد نستكمل الحديث فيه عن امراض القلوب ، والمرض الذي نتحدث فيه اليوم هو الطمع .
لو تدققوا في الامراض التي نتحدث عنها ستجدوا أن بينها ترابطا ، البارحة تحدثنا عن الشح والبخل ، وهو متلازم مع الطمع ، هذا المرض الذي نتحدث عنه اليوم ، وهو أيضا مرض خطير ، وذنب عظيم من ذنوب القلب .
والسبب في أن مرض الطمع مرض كبير ، أن القلب الذي يدخل اليه فيروس الطمع اول ما يهاجم يهاجم العقيدة الصحية للإيمان بالله ، لأن منشأ الطمع من الجهل بحكمة الله عز وجل الخالق المتفضل الرزاق الوَّهاب المنعم الذي قدَّر المقادير، فلا يزيده حرصه هذا إلا شرا، وحرصا على المزيد .
وفي هذا يقول أحد العارفين بشؤون القلب: (لو قيل للطَّمع: من أبوك؟ قال: الشَّك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذلِّ. ولو قيل: ما غايتك؟ قال: الحرمان) ((مروي عن الورَّاق في فيض القدير للمناوي (4/290).
لهذا كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الطمع (الجشع) كما يرويه الامام مسلم عن زيد بن أرقم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ فيقول …” اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ…”.
لأن الانسان اذا اصيب بمرض الطمع فلا يشبعه شيء مصداقا لما يرويه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم وأمنا عائشة ان المصطفى عليه الصلاة والسلام قال ” لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ“
تماما كما يقول المثل اليوناني : الطمع كماء البحر: زد منه شربا تزداد عطشا.
ولذلك يروى ان الحسين بن علي وقيل وهب بن منبه ، أتاه رجلا شاكيا شاكيا أنّه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال: علّمني شيئًا أنتفع به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: “إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكلُّ ما فيها لا يغنيك”.
إضافة الى أن مرض الطمع عندما يصيب القلب لا يتوقف ضرره عن الرجل المصاب ، بل إن آثاره ينتقل ويسع في المجتمع ، تمعن وانظر من حولك في أحوال الكثير من الناس ستكتشف أن سلبيات ومساوئ الطمع متجلية عليهم واضحة.
فلولا الطمع والحرص ما وجد في المجتمع داء الحقد والحسد، وأنواع الإساءات بين الناس بعضهم لبعض،
ولولا الطمع ما قامت الكثير من الخلافات والخصومات والصراعات،
ولولا الطمع ما كانت السرقات والاختلاسات والاحتيالات
ولولا الطمع ما قطعت الكثير من الصلات والقروبات
وقد أراد حكيم من الحكماء أن يعطي درسا لتلاميذه عن داء الطمع، وكانت إلى جانبه قطة تلاعب أولادها الأربعة، وكل واحد منهم يداعب الآخر في منظر أخوي رائع، فإذا به يلفت انتباههم إليها، وقال لهم، أنظروا إلى هؤلاء الإخوة وهم يلعبون ويمرحون وليس بهم من شيء، ولكن انظروا ماذا سيحل بهم وأنا ألقي لهم القطعة من اللحم، فرماها بينهم فإذا بهم ينفخ بعضهم على بعض، وكل واحد منهم يحاول أن تكون قطعة اللحم من نصيبه لا من نصيب إخوته .
فقال لهم كذلكم يفعل الطمع مع صاحبه في علاقته مع إخوانه ومع الناس جميعا، فاتعظوا،
نسأل الله أن يطهر قلوبنا من الطمع من أي شي من حطام الدنيا
والطمع له وجهان ، وجه محمود ، ووجه مذموم، الوجه المحمود للطمع هو الذي يأتي في معنى الرجاء من الله، قال تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) (82) الشعراء
وقال تعالى على لسان سحرة فرعون (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (51) الشعراء
فكل ما تتمنى أن يكون من نصيبك وكل ما تتمنى أن تحصله، فاقصد من أجله باب مولاك وخالقك فهو الكفيل أن تناله بعزة نفس،
أيضا من أوجه الطمع الممدوح: هو الطمع الذي يكون متعلقه ـ أمراً خيرياً كطلب العلم، وأعمال الخير من قبيل قضاء حوائج الآخرين والصدقة، والطمع في غفران الذنوب وغيرها. قال تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) (84) المائدة
أما الوجه الآخر للطمع ، وهو الوجه المذموم ، الذي هو مرض من أمراض القلوب ، وذنب من ذنوب القلوب ، الذي هو محل حديثنا : فهو انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس، والاستزاد منه وعدم الشبع ، وهذا هو الذي يمرض القلب ، ويجعل من الإنسان عبدا لدنياه وشهوته ، كما قال الحكماء ( الحر عبدٌ إن طمع، والعبد حرٌ إن قنع ) ، وقالوا : ( ما نبتت أغصان الذل إلا علي بذر الطمع) . والعبودية والتذلل لا ينبغي إلا لله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العبودية في الحقيقة هي رق القلب، فما استرق قلبك واستعبده فهو عبده”.
هذا هو الحق ، فالرق والعبودية تكون في الاصل في القلب ، والذي او الشيئ الذي يسترق قلبك يصبح قلبك عبداً له ، استرق قلبك المالُ فأنت عبد لهذا المال، استرق قلبَك الشهوةُ فأنت عبد لهذه الشهوة، استرق قلبك اللهُ -عز وجل- أنت عبدٌ لله -عز وجل-، يقول الشاعر:
أطعت مطامعي فاستعبدتني *** ولو أني قنعتُ لكنت حرا
الان اليك يامن ابتليت بمرض الطمع اليك الدواء والعلاج من خلال وصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: { انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ } .
كثيرا ما يجري الإنسان قياسات ومقاربات بينه وبين الآخرين في أمور الدنيا، سواء في شكله وهيئته، أو في وظيفته وعمله، أو في صحة بدنه، أو في مكتسباته وممتلكاته، لكن هذه المقارنات تفضي إلى آثار سلبية، لأن الإنسان يجري المقارنة بالنظر إلى من هو أعلى منه في المال والحظوة، فيرتد عليه هذا النظر بالإحباط، والحزن، والحسد، وربما الحقد، بل قد يجره الأمر إلى أن لا يرى نعمة الله عليه في شيء من شأنه، فيأتي التوجيه النبوي الحكيم، إلى عكس هذا الحال، وذلك بالنظر والمقارنة بمن هو دونه، فتنعكس الآثار السابقة إلى رضا وطمأنينة، وسعادة، وإعظام للنعمة يبعث على شكرها.
تماما عندما تخرج من بيتك متوجها الى عملك ، تركب سيارتك الدا موديل التسعينات ، كمثل على اضعف انواع السيارة ، ثم تقودها منشرح الصدر متجها الى عملك ، تجبر على التوقف عند اشارة مرور قد احمرت ، ثم تنظر عن يمينك فإذا بسيارة تقف بجانبك موديل العام ، من نوع كاديلاك او أي من السيارات الفارهة ، انت تحتاج الى حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا حتى تكمل طريقك للعمل منشرح الصدر ، لأنها الحقيقة أن السيارة الجديدة الفارهة التي تقف بجانبك لا تقارن بسيارتك القديمة ، مما يبعث في النفس الحسد والحقد والطمع ، يأتي علاج النبي صلى الله عليه وسلم بأن تنظر الى شمالك أيضا لتجد غيرك يقود دراجة ، وغيره يمشي على قدميه سواء في حر الشمس ، أو زمهرير الشتاء ، لتتعرف على قيمة ما بين يديك ، فتشكر الله على نعمة وتسأله حفظها ودوامها .
لذلك كان احد علماء السلف يقول : صاحبت الأغنياء فكنت لا أزال في حزن ،أرى داراً واسعة ودابة فارهة ، ولا عندي شيء من ذلك، فصحبت الفقراء فاسترحت.
فالعلاج بالقناعة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغِنَى غِنى النَّفْس))
انظر الى ما تملك لا تنظر الى ما تفقد
عندك اولاد ، عندك زوجة ، عندك وظيفة ، انت في نعمة غيرك يدفع الملايين ليحصل على ولد
المقالات المشابهة
وإنك لعلى خلق عظيم – خطبة للدكتور مرشد معشوق الخزنوي
البهتان – الحلقة 24 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي
الشح والبخل – الحلقة 22 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي