بقلم : الدكتور عبدالعزيز حاج احمد
في الأول من حزيران عام 2005، اهتزت أرجاء روج آفا، وارتجفت قلوب الكرد في كل مكان على وقع جريمة اغتيال شيخ الشهداء، الشيخ معشوق الخزنوي، القائد الروحي والسياسي البارز. تمر اليوم عشرون عاماً على تلك الجريمة النكراء التي لم تستهدف مجرد شيخ وواعظ، بل استهدفت رمزاً حقيقياً للوعي الوطني الكردي، وصوتاً ثورياً جريئاً في وجه الظلم والاستبداد.
ينحدر الشيخ معشوق من عائلة الخزنوي العريقة، التي لطالما مثلت مرجعية دينية واجتماعية راسخة بين الكرد. ترعرع في بيئة عامرة بالمعرفة الروحية والالتزام المجتمعي العميق، مما صقل شخصيته وزوده ببصيرة نافذة لم تقتصر على الجانب الديني فحسب، بل امتدت لتشمل الشأن العام وحقوق شعبه بوضوح لا لبس فيه. لم يكتفِ الشيخ معشوق بدور المرشد الروحي لأتباعه ومريديه ومحبيه، بل كان قائداً فكرياً يدعو إلى التغيير الجذري والإصلاح الحقيقي، مستلهماً من قيم الإسلام جوهر العدل، والحرية، والكرامة الإنسانية.
لقد كان الشيخ معشوق الخزنوي من أوائل الشخصيات الكاريزمية التي أدركت بعمق ضرورة التعبير عن الهوية الكردية وحقوقها المشروعة في سوريا. لم يُخفِ آراءه، بل جاهر بمواقفه الصارمة المطالبة بالاعتراف الكلي بالوجود الكردي، وإنهاء سياسات التمييز والتهميش الممنهجة. هذه المواقف الشجاعة، في ظل نظام قمعي لا يرحم، جعلت منه هدفاً رئيسياً لا بد من إسكاته. كان صوته المرتفع في وجه التعتيم سبباً مباشراً في إزعاج أصحاب السلطة، الذين رأوا فيه تهديداً وجودياً لسيطرتهم المطلقة.
لم يكن استشهاد الشيخ معشوق مجرد حادثة عابرة في تاريخ الكرد، بل كان نقطة تحول مفصلية كشفت حجم التضحية الأسطورية التي قدمها وما زال يقدمها شعبنا في سبيل الحرية والكرامة. لقد فجّر اغتياله موجة عارمة من الغضب الشعبي، وتحول دمه الزكي إلى وقود لا ينضب لأجيال متلاحقة من المناضلين الثوريين. إن الذكرى العشرين لاستشهاده ليست مجرد مناسبة للتذكر، بل هي دعوة ملحّة لتجديد العهد بقيم الحرية والعدالة التي استشهد من أجلها.
في خضم التحولات العميقة التي شهدتها وتعيشها المنطقة، وخاصة في شمال شرق سوريا حيث اندلعت ثورة روجاڤا المباركة، تظل سيرة الشيخ معشوق الخزنوي مصدر إلهام لا ينضب. فهو يمثل نموذجاً فريداً للقيادة الواعية التي تجمع بين الأصالة الدينية الراسخة والالتزام الوطني الثوري. دروسه ومواقفه لا تزال حية وراسخة في وجدان شعبه، مذكرةً بأن دماء الشهداء هي البذرة المقدسة التي تنبت منها أشجار المستقبل، وأن لا صوت يعلو فوق صوت الحق، ولا إرادة تكسر إرادة شعب يتوق إلى الحرية المطلقة والكرامة الأصيلة.
رحم الله شيخ الشهداء، الشيخ معشوق الخزنوي، وجعل ذكراه منارة خالدة تهدي الأجيال نحو تحقيق تطلعاتها المشروعة، وبناء كردستان حرة وكريمة
المقالات المشابهة
برقية تأبين: الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي.. رمز الوحدة والنضال
لماذا لا تزال ملفات اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي مطموسة – ابراهيم اليوسف
الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي.. نصير الحق وصوت الحرية