في طرق الوصول الى القلب السليم تحدثنا حتى الآن عن ثلاثة أمور مهمة إخلاص العمل لله ، وتدبر القرآن وآياته ،والخشوع ، وفي كل واحدة منها تحدثنا عن ملحقاتها ، اليوم ، نتحدث عن العامل الرابع والخامس ، أما العامل الرابع للوصول الى القلب السليم هو الدعاء .
هذا القلب الذي يشغلك بالكثير من الأوهام يحتاج إلى توفيق من الله ، والى مدد من الله ، بأن يسأل العبد ربه أن يرزقه قلبا سليما، وقلباً مطمئناً ، قلباً خالية من الامراض والعلل والأفات ، وهذه من الأدعية النبوية الثابتة ، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يدعوا: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلْبًا سَلِيمًا)
الدعاء بسلامة القلب هدي نبوي ، وسنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب – فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) صحيح الجامع.
وهذا وراد بكثرة في السنة المطهرة ، الامام احمد يروي من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد قوله : (اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين) .
ومن صفات عباد الرحمن الدعاء بسلامة القلب، قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) {الحشر:10}.
والله يخبر من قولهم : ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) {آل عمران 8}.
الدعاء هوالجهاز العصبي لأي عبادة تتقرب بها الى الله ، لأن الدعاء تذلل إلى الله ، ولأنها دلالة الايمان بالله في القلب ، لأجل ذلك ورد من حديث النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة).
والسبب في ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يدعو جهة لا يؤمن بوجودها ، فلا يمكن أن تدخل دارا وتنادي يا فلان يا فلان وأنت لا تعتقد بوجد أحد فيها ، أنت تنادي إذا لابد من وجود انسان تناديهم ،والإنسان بطبعه لايمكن أن يدعو جهة لا يؤمن بوجودها .
وكذلك الانسان لايمكن ان تدعو جهة لا تسمعه ، واحد أطرش هل تناديه ، اكيد لا .
وكذلك الانسان لايمكن ان يدعو جهة عاجزة ، واحد مشلول هل تناديه لطلب المساعدة
فالإنسان لا يدعو إلا من يؤمن بوجوده ويسمع وقادر على تلبية ندائه ، من أجل ذلك كان الدعاء هو العبادة ، لأنه مجرد ما يدعو الله فإنه على يقين بوجود الرب ،وأنه يسمعه وأنه قادر على تلبيته .
و الدعاء، استعانة من عاجز ضعيف هو الإنسان ، أنا وأنت ، بقوي قادر هو الله ، استغاثة بملهوف برب رؤوف هو الله ، ابن ماجة يروي عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا } .
الأمام مسلم يروي عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة جل جلاله قوله في الحديث القدسي : { يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْته، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَته، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي! إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَن إلَّا نَفْسَهُ}.
وأما العامل الخامس للوصول للقلب السليم فهو الاستغفار .
فالقلب يعتليه الكثير من الامراض من الحقد من الحسد من الغل وغيرها ، كما سنبين خلال اللقاءات القادمة إن شاء الله دواء هذه الامراض والعلل ، وعلاجها هو الاستغفار ، القلب ينقلب حاله من السلم الى المرض بسبب ما يكون فيه من هذه الامراض ، علاجها هو الاستغفار ، فهو يشرح الصدر ، ويُكسب النفس السكينة ، ويطمئن القلب ، اسمع الى أعظم طمأنية من رب العزة (..اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا..) “هود 3”.
الاستغفار يقوي الجسم – وصحة البدن – ويسلمه من العاهات والآفات والأمراض (..اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ..) “هود 52”.
الاستغفار يجلب الأمن من الفتن والمحن الامام الغزالي في الاحياء ينقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كان في الأرض أمانان من عذاب الله سبحانه فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما الأمان الباقي فالاستغفار، قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الانفطار33].
الاستغفار يساعد في إنزال الغيث – والذرية الطيبة – والولد الصالح -والمال الحلال -والرزق الواسع (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) “نوح 10-12”.
النبي صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الانبياء والرسلين وهو صاحب القلب السليم يقول في رواه الامام مسلم ، يقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ } رواه مسلم.
أستغفر الله وأتوب إليه ، أستغفر الله وأتوب إليه ، أستغفر الله وأتوب إليه.
اذا نحن نبحث عن القلب السليم ،وعن طرق الوصول الى القلب السليم ، وما تعرفنا عليه من طرق حتى الان ، إخلاص العمل لله وإفراد النية في أعمالك وعباداتك لله وحده
تدبرك لكلام الله عز وجل من خلال القران الكريم
خشوعك وحضورك في الصلاة من اعظم ما يساعد في يقظة القلب
ثم الدعاء والاستعانة بالله
واخير الاستغفار من ذنوب عملنها ونحن نعلم ، ومن ذنوب وآثام لربما لم نشعر بها
اسال الله الكريم رب العرش العظيم ان يسهل لنا الطريق للقلب السليم ، وان يجعلنا جميعا ممن تبيض وجوهم في حضرته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقالات المشابهة
وإنك لعلى خلق عظيم – خطبة للدكتور مرشد معشوق الخزنوي
البهتان – الحلقة 24 – الشيخ مرشد معشوق الخزنوي
الطمع – الحلقة 23- الشيخ مرشد معشوق الخزنوي