يصادف الأول من حزيران، ذكرى إغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي (1958ـ2005) على أيدي مخابرات النظام
الشيخ الشهيد، هو سليل عائلة كردية إسلامية تُعرف بالخزنوية، نسبةً إلى شيخ الطريقة الأول الشيخ أحمد الخزنوي، الذي يعتبر من أشهر علماء وشيوخ الطريقة النقشبندية (نسبةً إلى شيخها الأول محمد بهاء الدين شاه نقشَبَند) وأكثرهم تأثيراً في العالم، والتي باتت تّعرف بإسمه “الطريقة الخزنوية”.
الأسباب التي دفعت بالسلطات السورية إلى تصفيته، يمكن إيجازها، على ما أذهب، في أربعة أسباب:
الأول، خروج الشيخ معشوق، على عادة أو تقليد أجداده الخزنويين، الذين اختزلوا كلّ الدنيا في كلّ الدين، بإعتبار أنّ الدين جاء ليخدم الإنسان، لا ليخدم الإنسان الدين، فالدين، هو في المنتهى، كظاهرة سوسيولوجية، وسيلة إنسانية بإمتياز، من الإنسان إلى الإنسان، وليست غايةً أو هدفاً بحدّ ذاته.
الثاني، رفض الشيخ القفز على انتمائه القومي، بإعتباره كردياً من كردستان، عملاً بالآية القرآنية “أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (الحجرات: 13 ).
الثالث، خوف السلطات السورية من صعود نجم الشيخ الكردي، خصوصاً بعد مواقفه الجريئة من انتفاضة الكرد السوريين في آذار 2004، وانتقاده لفوق النظام السوري على انتهاكاته لحقوق الإنسان السوري بعامة، والكردي بخاصة، وتحوّله بالتالي، إلى ظاهرة سياسية، من شأنها أن تهدد أمن النظام واستقراره في المناطق الكردية. الأمر الذي قد يقلب الطاولة على النظام، الذي نجح طيلة عقودٍ من الزمان الديكتاتوري، في “ترويض” الشارع الكردي من خلال “تدجين” الحركة السياسية الكردية، بأحزابها المحتلفة، وقصقصة أجنحتها، لتصبح مجرّد “دكاكين” حزبية، لنشر الملصقات والبيانات وأخبار الإنشقاقات والخلافات و التوضيحات والتعقيبات والتسويفات، وكلّ ما يمكن أن تحتاجه “ظروف المعركة المصيرية” و”مواجهة العدو الإسرائيلي” و”جبهة الصمود والتصدي”..إلخ.
الرابع، قراءة الشيخ العقلانية للعلاقة ما بين “سياسة الدين” و”دين السياسة”، وقدرته على توظيف الدين بإعتباره حقاً من حقوق الإنسان، في خدمة الإنسان أولاً وآخراً، لأجل العبور إلى المزيد من اجتماع الإنسان بالإنسان، وتمدين ثقافة الإنسان في ثقافة الإنسان، ومعاشرة الإنسان للإنسان، وتسامح الإنسان مع الإنسان، واحترام الإنسان للإنسان، وعبور الإنسان إلى الإنسان، بإعتباره أكمل ما خلق الله، وفقاً للآية القرآنية، “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (التين: 4).
لهذه الأسباب مجتمعةً، كان لا بدّ للشيخ أن يُقتل ويُصفّى على أيدي نظامٍ اختزل كل الدين وكلّ الدنيا، من سوريا إلى سوريا، في واحدٍ كتب على بابه الذي يساوي الجغرافيا السورية كلّها، بالخط العريض : “أنا أو لا أحد”!
المعروف في طريقة الخزنويين، هو أنها رغم صوفيتها، في كونها “طريقة خاصة جداً” ، إلا أنها تحوّلت على مرّ الأزمان خصوصاً على يد الشيخ الخزنوي الأول، إلى “طريقة عالمية” عابرة للحدود والأوطان والقوميات والإثنيات.
خصوصية الخزنوي الشهيد تكمن في تغريده خارج سرب آبائه الأولين وشيوخ الخزنويين الأوائل، الذين اتسموا بسمتين رئيسيتن:
الأولى، زجّ الإنسان في الدين، لا بل إقتياده إليه، بإعتباره “سجناً نهائياً” له، بلا دنيا.
الثانية، تسييس الدين بما يخدم السلطانيَن، سلطان السياسة في الدين، وسلطان الدين في السياسة، الأمر الذي أدى إلى إخراج الإنسان من الدين، أو تفريغ الدين من الإنسان، بإعتباره “واجباً” فقط بلا حقوق، أو مجرّد طريق إلى الآخرة فقط بدون دنيا ولا هم يحزنون، ما أدى إلى تشيؤ الإنسان ومسخه بالتالي إلى مجرّد “أداة” لحمل أعباء الدين وأثقاله على ظهره إلى أن يشاء الله في يوم الدين.
الخزنوي الشهيد أراد في مسعاه، كشيخ من شيوخ الخزنويين العقلانيين، أن يقلب الآية في طريقتهم، وذلك بإعادة الإنسان إلى الدين، بإعتبار هذا الأخير بيتاً للعيش فيه، لا قبراً للموت فيه.
من هنا تحديداً، يمكن قراءة دين الشيخ معشوق، بإعتباره ديناً للمزيد من الدنيا وللمزيد من الحياة، لا ديناً للمزيد من الآخرة وللمزيد من الموت.
دين الشيخ معشوق، كان ديناً للإنسان بإمتياز، على اختلاف جنسه، ولونه، ولسانه، ودينه، وسمائه، وأرضه، ومكانه، وزمانه.
لهذا أحببت، أنا الذي لا دين لي، دين الشيخ معشوق لثلاث: لدينه الإنسان، لدنياه الإنسان، ولآخرته الإنسان. أحبتته، وتمرّ علينا هذه الأيام، الذكرى الثامنة لدمه العالي، في إنسانه العالي، إنسان الدين في الدين الإنسان، بإعتباره مبتداً للدين وخبراً له.
هوشنك بروكا
hoshengbroka@hotmail.com
المقالات المشابهة
الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي.. نصير الحق وصوت الحرية
تسعة عشر عاماً على اختطاف واغتيال شيخ الشهداء معشوق الخزنوي
في ذكرى انتفاضة اذار 2004 لابد من استذكار الشيخ الشهيد، الخزنوي المعشوق!