سلمان بارودو
إن اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي، المفكر الإسلامي المعتدل والمنفتح على الآخر المختلف معه في الفكر والدين والقومية، كان رجل دين أكاديمي بكل معنى الكلمة، لهو اغتيال للفكر والسياسة معاً.
في هذه الظروف الصعبة والعصيبة التي نمر بها نفتقر إلى أمثال هكذا رجال متنورين في الفكر والممارسة، حيث تسود ثقافة العنف والتعصب وشطب الآخر المختلف من دائرة الوجود.
ولكن حدث اغتيال الشيخ الجليل معشوق الخزنوي، هو حدث فريد واستثنائي من نوعه في سوريا، فالمجتمع السوري لم يعرف هكذا حالات بغض النظر عن الأسباب أكانت هذه الأسباب سياسية أو غير ذلك، ولم يكن أسلوب الخطف والاغتيال معروفاً في المجتمع السوري على مر السنوات السابقة.
وكان الشيخ معشوق الخزنوي يشغل موقع نائب رئيس مؤسسة الدراسات الإسلامية التي يرأسها عضو مجلس الشعب السوري الدكتور محمد حبش، وكان له حضوراً متميزاً وفاعلاً في كثير من المنابر المحلية والإقليمية والعالمية، فهو يرى إن الدين هو الأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وهو غنيُ عن التعريف كوردي الأصل جريئاً في مواقفه، معتدلاً في توجهاته، كان حريصاً على الالتقاء والالتفاف حول القواسم المشتركة تهم الجميع يرى أن ((العرب والكورد يشكلان معاً وحدة أخوية متكاملة ضمن النسيج السوري ويتحملان معاً واجب الدفاع عن وحدة تراب السوري وحضارته وإنجازاته عبر التاريخ ولهما الحقوق نفسها في المواطنة التي ينبغي أن تتغلب على أية صيغة أخرى)).
وكان الشيخ محمد معشوق الخزنوي يحظى بمكانة متميزة في الوسط السوري، السياسي والقومي والديني، لأنه من الشخصيات الإسلامية الكوردية المتنورة، والمهتمة بالشأن السوري العام، لتألقه الكاريزمي وروحه السمحة وأفكاره النهضوية واجتهاده الديني في روح النص.
كان دائماً ينتقد السياسات الخاطئة من قبل السلطة تجاه حقوق شعبه الكوردي في سوريا، وحقوق كافة القوميات والأقليات المتواجدة في سوريا، وعن المظالم التي يتعرض لها الشعب الكوردي نتيجة السياسات الشوفينية المنتهجة حياله، وكان مدافعاً صلباً وعنيداً عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة المواطن، والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وتمكين المرأة ، وإدانة العنف والإرهاب، كان الشيخ الخزنوي يتبنى موقفاً متقدماً من مسألة تمكين المرأة حقوقها السياسية كافة في ظل الالتزام بقيم الإسلام وآدابه، كالرجل سواء بسواء، ولها الحق القيام بممارسة دورها في خدمة المجتمع، ولها حق التعليم وكل المهن المشروعة التي لا تناقض طبيعتها الفيزيولوجية.
وبشجاعة استثنائية دافع الشيخ معشوق عن الحكومة الفرنسية العلمانية في أخذ القرارات التي منعت المرأة ارتداء الحجاب في المدارس. وبشجاعة مماثلة أكد في خطبة له أن لا شيء في الإسلام يمنع إمامة المرأة.
لقد تميز الشيخ الجليل الخزنوي بالجرأة في مواقفه تجاه كافة القضايا التي تهم الوطن والمواطن، يناقش، يحاور، يستمع إلى وجهة نظر الآخر بكل احترام، حتى ولو اختلفت معه، كان حريصاً على الالتقاء مع سائر مكونات النسيج الوطني السوري.
مما لا شك فيه إن السلطة مسئولة مسئولية أخلاقية وسياسية وإدارية عن أمن مواطنيها، لأن حماية الوطن والمواطن من واجبات السلطة، وفي هذا المنحى أجمعت مواقف الحركة الكوردية في سوريا وذلك عبر بياناتها تحميل السلطة مسئولية اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي بغض النظر الجهة المختطفة.
إن الغاية من هذه العمليات مهما كانت هوية منفذيها، كم الأفواه ومصادرة الرأي وحرية التعبير والدعوة إلى الديمقراطية، وإن جميع هذه القضايا هي في صلب حاجات مجتمعاتنا الملحة.
إن هذا الإصرار من قبل قوى الظلام على تعطيل القلم الحر والكلمة الحرة ناتج عن مدى قصر نظرهم حيال القضايا والتطورات التي تجري في عالمنا اليوم، عليهم أن يدركوا بأن المستقبل للحرية والديمقراطية والحوار الوطني الحر سبيلا ً للازدهار والتقدم.
المقالات المشابهة
الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي.. نصير الحق وصوت الحرية
تسعة عشر عاماً على اختطاف واغتيال شيخ الشهداء معشوق الخزنوي
في ذكرى انتفاضة اذار 2004 لابد من استذكار الشيخ الشهيد، الخزنوي المعشوق!