Mashuq Foundation

for Dialogue Tolerance and Religious Renewal

أفلا يتدبرون القرآن – الحلقة الخامسة من برنامج القلب / للشيخ مرشد معشوق الخزنوي

السيدات والسادة الكرام ،  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الحديث مستمر بنا عن طريق الوصول الى القلب السليم ، وكنا في اللقاءات الماضية في شرح نقطتين مما يصل بهما العبد الى القلب السليم ، اخلاص العمل لله ، وإفراد النية لله وحده ، والثاني تدبر ايات القران الكريم كلام رب العزة .

اليوم نضيف اليه نقطة ثالثة وهو الخشوع في صلاته ، و الخشوع في الصلاة إحدى ثمرات تدبر القرآن الكريم وآياته .

الخشوع في الصلاة مهم جداً ، وهي من تمام الصلاة الذي هو أعظم اركان الاسلام ، وهي من صفات المؤمنين الذي مدحهم الله ، بل هي من أولى صفاتهم الذي بدأ بها الله فقال : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ .

والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام كانوا يهتمون بهذا الأمر كثيراً ، وكانوا يعدوا الصلاة من دون خشوع من الامور العظام ، في الحديث عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: { إن الرجل ليصلي ستين سنة – وما تقبل الله له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود،-  ويتم السجود ولا يتم الركوع} [ذكره المنذري في الترغيب والترهيب ].

ستين سنة يصلي ولا يفقه من صلاته شيء – و الإمام أحمد بن حنبل كان يقول { يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون} [رواه أبو نعيم في الحلية]بسبب عدم الخشوع .

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الدعاء ليرزقه الله الخشوع ، الامام مسلم يروي عن زيد ابن الارقم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع } .

لا تظنن أن الخشوع موضوعا عاديا ، تقال في كلمتين ، فلقد اهتم  العلماء به كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم به ، ولذلك الفوا كتباً مستقلة في موضوع الخشوع وحده ، ابن القيم رحمه الله له كتاب اسمه اسرار الصلاة ، ابن رجب الحنبلي له كتاب اسمه الخشوع في الصلاة او الذل والانكسار للعزيز الجبار ،  وغيرهما لأن الخشوع هي صفة عالية وغالية للمؤمنين ، يقول ربنا عز وجل : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ .

حتى على صعيد الجسد الخشوع امرها عظيم ، الدراسات العلمية أظهرت شيئاً جديداً حول ما يسميه العلماء “التأمل”، ولكن هذا التأمل هو مجرد أن يجلس المرء ويحدّق في جبل أو شمعة أو شجرة دون حركة ودون تفكير ،ووجدوا أن هذا التأمل ذو فائدة كبيرة في معالجة الأمراض وتقوية الذاكرة  وزيادة الإبداع والصبر وغير ذلك.

ولكن القرآن لم يقتصر على التأمل المجرد، بل قرنه بالتفكر والتدبر ، وأخذ العبرة والتركيز على الهدف، وسماه “الخشوع” ولذلك كان الخشوع من أهم العبادات وأصعبها ، لأنه يحتاج لتركيز كبير، وهكذا فإن كلمة “الخشوع” تدل على أقصى درجات التأمل مع التفكير العميق.

فالخشوع هو روح الصلاة، لكن جمهور العلماء على أنه ليس شرطا لصحتها، بمعنى انه لا تبطل الصلاة لعدم وجوده فيها، ونعني بهذا أنه لا يطالب في الدنيا بإعادة الصلاة التي فقد فيها الخشوع، لكن ثوابها ينقص.

وقد كان سفيان الثوري يقول : يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها.

ومن أهل العلم من عده واجباً مشترطاً تبطل الصلاة بتركه.

أما ماذا تعمل من أجل أن تحقق الخشوع في صلاتك -،فاعلم أن الخشوع يقوم على أمرين  ، حتى تخشع في صلاتك ، حتى تخشعي في صلاتكي ،هو أنك تفهم رموز وأسرار الصلاة ، وهذا لابد له من أمرين في غاية الأهمية ، أمر قبل البدأ بالصلاة ، وأمر أثناء الصلاة

قبل الصلاة  هو التهيئة النفسية عند القيام للصلاة ، فيجب أن تعلم أنك وأنت تدخل في الصلاة  ، متوجه لله بقلبك وليس بجسمك فقط، مشكلة الناس كلها أنها تقوم للصلاة بجسمها ، وتنقر الصلاة كنقر الغراب ، بينما قلبها معلق بالدنيا وأحوالها ، ولن يحصل هذا التهيئة ما لم تتوجه بقلبك قبل جسمك لله

لذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإحسان قال : { أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك }

ولقد كان علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب حفيد رسول الله الملقب بزين العابدين ، كان اذا توضأ للصلاة يتغير لونه ، ويصفر ويحمر ويرعد فقيل له في ذلك فقال : أما تعلمون بين يدي من اريد أقوم.

تماما كما يفعلها مدرب كرة القدم مع فريقه قبل انزال اللاعبين الى المباراة، يأمر اللاعبين بالإحماء كنوع من التهيئة النفسية والبدنية لدخول المباراة  ، ولله المثل الاعلى .

في الوصية النبوية التي رواها الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي أيوب رضي الله عنه قال :{ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علمني وأوجز، قال: “إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع}.

والمقصود استشعروا في صلاتكم أنها آخر صلاة تصلونها، فإذا استشعرتم ذلك حملكم هذا الشعور على إحسان صلاتكم وإتقانها ، وأدائها بتمام خشوعها وطمأنينتها، لأنكم قد لا تتمكنون من صلاة بعدها.

ثم النقطة الفاصلة بين التهيئة للصلاة وأثناء الدخول في الصلاة كن صادقاً ، إياك أن تكذب ، عندما ترفع يديك قائلا الله أكبر ، يجب أن يكون الله أكبر بالفعل في حياتك ، الله أكبر من أي شيء آخر في حياتك، مجرد أنك تفكر في كلمة الله أكبر معناها أنك تصغر الدنيا  -، وأكبر شيء الآن هو الله.

عندما ترفع يديك حذو منكبيك أي أ نك ترمي الدنيا كلها خلف ظهرك .

ثم ابدأ في قراءة الفاتحة وتذوقها وتأملها وهي السنة ، ففي سنن الترمذي وأبي داود ، أن أم سلمة  عندما سئلت عن قراءة النبي عليه الصلاة والسلام قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف، .

 اقرأ الآية من الفاتحة وتلذذ بمعانيها،  واعلم أن الله يرد عليك كل كلمة تقولها  ، نعم الله سبحانه في عليائه يرد عليك ، الإمام مسلم يروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : فوض إلي عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل )

عمرو بن عبدالعزيز كان يتوقف بين الآية والآية فلما سئل عن ذلك قال استطعم رد ربي

وهكذا في الركوع استوعب جيدا “سبحان ربي العظيم” وتركز فيها، وارفع رأسك وقل “سمع الله لمن حمده”، ثم اسجد وادعي الله بكل الأدعية التي تريد خصوصاً وأنك في أرقى اللحظات وأقرب اللحظات من الله  ، كما في الحديث الصحيح أن اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .

هكذا سوف تشعر أن صلاتك اختلفت وأصبحت معانيها مختلفة ، وسوف تستطعمها وتتذوقها  

سئل حاتم الاصم  وهو من كبار علماء المسلمين في القرن الثالث الهجري عن كيفية صلاته فقال حاتم  تجعل الكعبة بين حاجبيك ، والميزان نصب عينيك ، و الصراط تحت قدميك ، والجنة عن يمينك و النار عن شمالك ، وملك الموت خلفك يطلبك ، و ﻻ تدري بعد ذلك أقبلت صلاتك أم ردت عليك!!

فسأله : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟…. فرد حاتم : منذ عشرين سنة ، فالتفت عاصم ﻷصحابه و قال : “هلموا بنا نقضي صلاة خمسين سنة !! القصة أخرجها أبو نعيم في الحلية (8/ 74 – 75)

لما هلموا نقضي لأن الخشوع في الصلاة امرها عظيم ، اسمع إلامام مسلم يروي من حديث عُثْمَانَ رضي الله عنه أنه دَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ.

نسأل الله علماً نافعا وقلب خاشعا ولسانا ذاكرا

About Author